الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          271 - فصل

                          [ الأمر بقتال الناكثين الطاعنين في الدين ] .

                          الدليل السادس : قوله تعالى : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ) [ ص: 1389 ] فأمر سبحانه بقتال الناكثين الطاعنين في الدين ، ورتب على ذلك أشياء : تعذيبهم بأذى المؤمنين ، وخزيهم ، والنصرة عليهم ، وشفاء صدور المؤمنين ، وذهاب غيظ قلوبهم ، وتوبته على غيرهم . والتقدير : إن تقاتلوهم يحصل هذا .

                          وإذا كانت هذه الأمور مرتبة على قتال الناكث والطاعن في الدين - وهي أمور مطلوبة - كان سببها المقتضي لها مطلوبا للشارع - وهو القتال - وإذا كانت هذه الأمور مطلوبة حاصلة بالقتال لم يجز تعطيل القتال الذي هو سببها مع قيام المقتضي له من جهة من يقاتله ، وهو النكث والطعن في الدين .

                          فشفاء الصدور الحاصل من ألم النكث والطعن ، وذهاب الغيظ الحاصل في صدور المؤمنين من ذلك ، مقصود للشارع مطلوب الحصول ، ولا ريب أن من أظهر سب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة فإنه يغيظ المؤمنين ويؤلمهم أكثر من سفك دماء بعضهم وأخذ أموالهم ، فإن هذا يثير الغضب لله والحمية له ولرسوله .

                          وهذا القدر لا يهيج في قلب المؤمن غيظ أكثر منه ، بل المؤمن المسدد لا يغضب هذا الغضب إلا لله ورسوله ، والله سبحانه يحب شفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم ، وهذا إنما يحصل بقتل السباب لأوجه :

                          أحدها : أن [ تعزيره ] وتأديبه يذهب غيظ قلوبهم إذا شتم أحدا من [ ص: 1390 ] المسلمين ، فلو أذهب التعزير والتأديب غيظ قلوبهم إذا شتم الرسول لكان غيظهم من سب نبيهم مثل غيظهم من سب واحد منهم ، وهذا باطل قطعا .

                          الثاني : أن شتمه أعظم عندهم من أن يسفك دماء بعضهم بعضا ، ثم لو قتل واحد منهم لم يشف صدورهم إلا قتله ، فأن لا تشفى صدورهم إلا بقتل الساب أولى وأحرى .

                          الثالث : أن الله جعل قتالهم هو السبب في حصول الشفاء ، والأصل عدم سبب آخر يحصله فيجب أن يكون القتل هو الشافي لصدور المؤمنين من مثل هذا .

                          الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتحت مكة وأراد أن يشفي صدور خزاعة - وهم القوم المؤمنون - من بني بكر الذين قاتلوهم مكنهم منهم نصف النهار أو أكثر مع أمانه لسائر الناس ، فلو كان شفاء صدورهم وذهاب غيظ قلوبهم يحصل بدون القتل للذين نكثوا أو طعنوا لما فعل ذلك مع أمانه الناس .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية