الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ما أحدثه قريش بعد الفيل

لما كان من أمر أصحاب الفيل ما ذكرناه عظمت قريش عند العرب ، فقالوا لهم : أهل الله وقطنه يحامي عنهم ، فاجتمعت قريش بينها وقالوا : نحن بنو إبراهيم - عليه السلام - وأهل الحرم وولاة البيت وقاطنو مكة ، فليس لأحد من العرب مثل منزلتنا ، ولا يعرف العرب لأحد مثل ما يعرف لنا ، فهلموا فلنتفق على ائتلاف أننا لا نعظم شيئا من الحل كما يعظم الحرم ، فإننا إذا فعلنا ذلك استخفت العرب بنا وبحرمنا وقالوا : قد عظمت قريش من الحل مثل ما عظمت من الحرم ، فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم ، ويرون لسائر العرب أن [ ص: 411 ] يقفوا عليها وأن يفيضوا منها .

وقالوا : نحن أهل الحرم فلا نعظم غيره ، ونحن الحمس ، وأصل الحماسة الشدة أنهم تشددوا في دينهم ، وجعلوا لمن ولد واحدة من نسائهم من العرب ساكني الحل مثل ما لهم بولادتهم ، ودخل معهم في ذلك كنانة وخزاعة وعامر لولادة لهم ، ثم ابتدعوا فقالوا : لا ينبغي للحمس أن يعملوا الأقط ، ولا يسلأوا السمن وهم حرم ، ولا يدخلوا بيتا من شعر ، ولا يستظلوا إلا بيوت الأدم ما كانوا حرما .

وقالوا : ولا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرام إذا جاءوا حجاجا أو عمارا ، ولا يطوفون بالبيت طوافهم إذا قدموا إلا في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا طافوا بالبيت عراة ، فإن أنف أحد من عظمائهم أن يطوف عريانا إذا لم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه ألقاها إذا فرغ من الطواف ولا يمسها هو ولا أحد غيره ، وكانوا يسمونها اللقى .

فدانت العرب لهم بذلك ، فكانوا يطوفون كما شرعوا لهم ، ويتركون أزوادهم التي جاءوا بها من الحل ، ويشترون من طعام الحرم ويأكلونه .

هذا في الرجال . وأما النساء فكانت المرأة تضع ثيابها كلها إلا درعها مفرجا ثم تطوف فيه وتقول :

اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله



فكانوا كذلك حتى بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - فنسخه ، فأفاض من عرفات ، وطاف الحجاج بالثياب التي معهم من الحل ، وأكلوا من طعام الحل ، في الحرم أيام الحج ، وأنزل الله تعالى في ذلك : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) ، أراد بالناس العرب ، أمر قريشا أن يفيضوا من عرفات ، وأنزل الله تعالى في اللباس والطعام الذي من الحل وتركهم إياه في الحرم : ( يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ) - إلى قوله - : ( لقوم يعلمون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية