الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            توطين العلوم الطبية

            الطب البشري بصفته علما يتمحور حول الجسد وحالاته المرضية والصحية، فإنه من المنطقي أن تسري حقائقه وقوانينه على الجسد أينما حل.

            إلا أن هـذا التعميم قد تقيـده «نسبـية» ما تفرضها التباينات النفسية أو الثقافية أو المناخية أو العرقية، وأمام هـذه النسبية تثار إشكالية توطين الطب، سواء على مستوى العلم أو على مستوى الممارسات العلاجية.

            تذكر « لين باير » مؤلفة كتاب «الطب والثقافة» بعض الملاحظات المتصلة بهذا الخصوص حين تقول: إنها أجرت - وهي في فرنسا - كشفا طبيا عند أحد الأطباء، فاكتشف عندها ورما ليفيا في الرحم بحجم البرتقالة فاقترح عليها استئصاله، وحين عادت لإجـراء الكشف على الموضع نفسه - وكانت حينها في الولايات المتحدة الأمريكية - اقترح عليها الطبيب الأمريكي استئصال الرحم نفسه، فكان ثمة تفاوت في موقف الطبيبين عزته «باير» إلى اختلاف الإطار الثقافي لكل منهما، ففي المجتمع الفرنسي [ ص: 65 ] الكاثوليكي الذي يقدس الأمومة، كان من الصعب طرح خيار استئصال ذلك الجهاز الأنثوي لغير ما ضرورة قصوى، فيما لا يشكل الاستئصال مشكلة كبرى في مجتمع يعلي من قيمة الفرد ويولي اهتماما لكمال الجسد، لذلك تراجع خيار الحفاظ على الرحم في مقابل ما تحتله القيم الفردية في إطار الثقافة الأمريكية من أهمية [1] .

            وفي مثال آخر نجد أن ارتفاع ضغط الدم في الولايات المتحدة الأمريكية ، يعد من الأمراض الخطيرة، فيما لا ينظر إليه عند الإنجليز أكثر من كونه علامة على التوتر العصبي، أو حتى أمرا عاديا، وفي الوقت الذي يواجه ضغط الدم المنخفض عند الألمان بحوالي (85) عقارا، نجده لا يمثل عند الأطباء الأمريكان حالة سيئة، إن لم يكن دليلا على الصحة [2] .

            أما الاستجابة للحالات المرضية، فهي تختلف من شعب إلى آخر، لأسباب قد تكون مناطقية أو نفسية أو حتى عضوية، فالإنفلونزا – مثلا – تعد مرضا لا يستهان به عند بعض الشعوب، فيما لا يعد عند شعوب أخرى إلا حالة بسيطة.

            هذه التباينات الطبيعية تنسحب أيضا على المجال الاجتماعي العربي والإسلامي، مما يتطلب مراعاة العوامل الثقافية والتكوينات العضوية والطبائع الصحية والمرضية، ومراعاة أنماط الاستجـابات ضمن المجال المذكور، وهو [ ص: 66 ] ما يعني: أنه لا بد للطب - علما وتشخيصا وعلاجا - أن ينال قدرا من التبيئة والتوطين في إطار البيئة العربية والإسلامية.

            وهذا ما ينبغي سحبه على الشروط التي توضع فيها الوصفات الطبية أيضا، ففي هـذه الوصفات لا بد من استيعاب طبيعة العلاقة بين الطب والإمكانات الدوائية التي تنطوي عليها البيئة، فبدلا من إعطاء وصفة فيها ثلاثة أدوية مستوردة لوعكة صحية بسيطة، فإنه يمكن الاكتفاء لمواجهة ذلك بشراب النعناع [3] المتوفر محليا [4] ، وبدلا من الإصرار على لون العـلاج الذي تم تعلمه في جامعات الغرب، فإنه يمكن اللجوء إلى بدائل أخرى كالمعالجات اليدوية والمائية ونحوها، بل يمكن الاستعانة بالعلاج النفسي في بعض الحالات. [ ص: 67 ] نخلص من كل ما تقدم إلى أنه ليس من الصحيح منح الطابع القدسي لعلوم الغرب الطبية، والتقيد في كل الحالات بفلسفته ومقترحاته وإجراءاته، وإنه لا بد من توطين ما يمكن توطينه في هـذا الحقل سواء على صعيد المعرفة أو التشخيص أو العلاج.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية