الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين

                                                                                                                                                                                                وإذ أخذنا ميثاقكم : بالعمل على ما في التوراة، ورفعنا فوقكم الطور : حتى قبلتم وأعطيتم الميثاق، وذلك أن موسى -عليه السلام- جاءهم بالألواح فرأوا ما فيها من الآصار والتكاليف الشاقة، فكبرت عليهم وأبوا قبولها، فأمر جبريل فقلع الطور من أصله، ورفعه وظلله فوقهم، وقال لهم موسى: إن قبلتم وإلا ألقي عليكم، حتى قبلوا، "خذوا": على إرادة القول، ما آتيناكم : من الكتاب "بقوة": بجد وعزيمة، واذكروا ما فيه : واحفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه، لعلكم تتقون : رجاء منكم أن تكونوا متقين، أو قلنا: خذوا واذكروا إرادة أن تتقوا، ثم توليتم : ثم أعرضتم عن الميثاق والوفاء به، فلولا فضل الله عليكم بتوفيقكم للتوبة لخسرتم، وقرئ: خذوا ما آتيتكم، وتذكروا، واذكروا.

                                                                                                                                                                                                و"السبت": مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت، وإن ناسا منهم اعتدوا فيه، أي: جاوزوا ما حد لهم فيه من التجرد للعبادة وتعظيمه [ ص: 278 ] واشتغلوا بالصيد، وذلك أن الله ابتلاهم، فما كان يبقى حوت في البحر إلا أخرج خرطومه يوم السبت، فإذا مضى تفرقت، كما قال: تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم [الأعراف: 163] فحفروا حياضا عند البحر وشرعوا إليها الجداول، فكانت الحيتان تدخلها فيصطادونها يوم الأحد، فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم، قردة خاسئين : خبران، أي كونوا جامعين بين القردية والخسوء، وهو الصغار والطرد، "فجعلناها": يعني المسخة، "نكالا": عبرة تنكل من اعتبر بها أي تمنعه، ومنه النكل: القيد لما بين يديها : لما قبلها وما خلفها : وما بعدها من الأمم والقرون لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين فاعتبروا بها، واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين، أو أريد بما بين يديها: ما بحضرتها من القرى والأمم، وقيل: نكالا: عقوبة منكلة لما بين يديها; لأجل ما تقدمها من ذنوبهم وما تأخر منها وموعظة للمتقين : للذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم، أو لكل متق سمعها.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية