الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1794 106 \ 1720 - وعن أبي شيخ الهنائي - حيوان بن خلدة- ممن قرأ على أبي موسى الأشعري من أهل البصرة : أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا وكذا، وركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم، قال : فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقالوا: أما هذا فلا، قال : أما إنها معهن، ولكنكم نسيتم .

                                                              وأخرجه النسائي مختصرا .

                                                              وقد اختلف في هذا الحديث اختلافا كثيرا، فروي كما ذكرناه؛ وروي عن أبي شيخ، عن أخيه حمان، ويقال: أبو حمان، عن معاوية.

                                                              وروي عن بيهس بن فهدان، عن أبي شيخ، عن عبد الله بن عمر. عن بيهس، عن أبي شيخ، عن معاوية.

                                                              [ ص: 308 ] وقد اختلف على يحيى بن أبي كثير فيه. فروي عنه عن أبي شيخ ، عن أخيه. وروي عنه عن أبي إسحاق عن حمان. وروي عنه حدثني حمران، من غير واسطة. وسماه حمران.

                                                              وقال الخطابي : جواز القران بين الحج والعمرة إجماع من الأمة، ولا يجوز أن يتفقوا على جواز شيء منهى عنه.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وقال عبد الحق: لم يسمع أبو شيخ من معاوية هذا الحديث، وإنما سمع منه "النهي عن ركوب جلود النمور" ، فأما النهي عن القران فسمعه من أبي حسان عن معاوية. ومرة يقول: عن أخيه حمان، ومرة يقول: جماز وهم مجهولون. وقال ابن القطان: يرويه عن أبي شيخ رجلان: قتادة ومطر، فلا يجعلان بين أبي شيخ وبين معاوية أحدا، ورواه عنه بيهس بن فهدان، فذكر سماعه من معاوية لفظ النهي عن ركوب جلود النمور خاصة.

                                                              قال النسائي: ورواه عن أبي شيخ: يحيى بن أبي كثير، فأدخل بينه وبين معاوية رجلا اختلفوا في ضبطه، فقيل: أبو حمان، وقيل: [جماز، [ ص: 309 ] وقيل] حمان، وهو أخو أبي شيخ.

                                                              وقال الدارقطني: القول قول من لم يدخل بين أبي شيخ ومعاوية فيه أحدا، يعني قتادة ومطرا وبيهس بن فهدان.

                                                              وقال غيره: أبو شيخ هذا لم نعلم عدالته وحفظه، ولو كان حافظا، لكان حديثه هذا معلوم البطلان، إذ هو خلاف المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله، فإنه أحرم قارنا، رواه عنه ستة عشر نفسا من أصحابه، وخير أصحابه بين القران والإفراد والتمتع، وأجمعت الأمة على جوازه.

                                                              ولو فرض صحة هذا عن معاوية، فقد أنكر الصحابة عليه أن يكون رسول الله نهى عنه، فلعله رضي الله عنه وهم، أو اشتبه عليه رضي الله عنه نهيه عن متعة النساء بمتعة الحج، كما اشتبه على غيره. والقران داخل عندهم في اسم المتعة.

                                                              وكما اشتبه عليه تقصيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض عمره، بأن ذلك في حجته، وكما اشتبه على ابن عباس نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لميمونة، فظن أنه نكحها محرما، وكان قد أرسل أبا رافع إليها، ونكحها وهو حلال، [ ص: 310 ] فاشتبه الأمر على ابن عباس.

                                                              وهذا كثير.

                                                              ووقع في بعض نسخ "سنن أبي داود": نهى أن يفرق بين الحج والعمرة بالفاء والقاف. قال ابن حزم: "هكذا روايتي عن عبد الله بن ربيع، وهكذا في كتابه، وهو - والله أعلم - وهم، والمحفوظ: "يقرن" في هذا الحديث. تم كلامه.

                                                              وقد رواه النسائي في "سننه" قال: حدثنا أبو داود، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا شريك بن أبي فروة، عن الحسن قال: خطب معاوية الناس، فقال: إني محدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فما سمعتم منه] فصدقوني، سمعت رسول الله يقول: لا تلبسوا الذهب إلا مقطعا، قالوا: سمعنا، قال: وسمعته يقول: من ركب جلود النمور لم تصحبه [ ص: 311 ] الملائكة، قالوا: سمعنا، قال: وسمعته ينهى عن المتعة، قالوا: لم نسمع. فقال: بلى، وإلا فصمتا . فهذا أصح من حديث أبي شيخ، وإنما فيه النهي عن المتعة، وهي - والله أعلم - متعة النساء، فظن من ظن أنها متعة الحج، والقران متعة، فرواه بالمعنى، فأخطأ خطأ فاحشا.

                                                              وعلى كل حال فليس أبو شيخ ممن يعارض به كبار الصحابة، الذين رووا القران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإخباره أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة، وأجمعت الأمة عليه. والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية