الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 166 ]

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله :( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ) يحتمل أن يكون المعنى ما ينبغي لهم ذلك فيكون كالوصف ، وأن يكون معناه ليس لهم ذلك على معنى النهي :

                                                                                                                                                                                                                                            فالأول : معناه أن النبوة والإيمان يمنع من الاستغفار للمشركين .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : معناه لا تستغفروا ; والأمران متقاربان . وسبب هذا المنع ما ذكره الله تعالى في قوله :( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) وأيضا قال :( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] والمعنى أنه تعالى لما أخبر عنهم أنه يدخلهم النار ، فطلب الغفران لهم جار مجرى طلب أن يخلف الله وعده ووعيده وأنه لا يجوز . وأيضا لما سبق قضاء الله تعالى بأنه يعذبهم ، فلو طلبوا غفرانه لصاروا مردودين ، وذلك يوجب نقصان درجة النبي - عليه الصلاة والسلام - وحط مرتبته ، وأيضا أنه قال :( ادعوني أستجب لكم ) ( غافر : 60 ) وقال عنهم إنهم أصحاب الجحيم فهذا الاستغفار يوجب الخلف في أحد هذين النصين ، وإنه لا يجوز ، وقد جوز أبو هاشم أن يسأل العبد ربه شيئا بعد ما أخبر الله عنه أنه لا يفعله ، واحتج عليه بقول أهل النار( ربنا أخرجنا منها ) ( المؤمنون : 107 ) مع علمهم بأنه تعالى لا يفعل ذلك ، وهذا في غاية البعد من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن هذا مبني على مذهبه أن أهل الآخرة لا يجهلون ولا يكذبون ، وذلك ممنوع ، بل نص القرآن يبطله ، وهو قوله :( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) ( الأنعام : 23 )( انظر كيف كذبوا على أنفسهم ) ( الأنعام : 24 ) والثاني : أن في حقهم يحسن ردهم عن ذلك السؤال وإسكاتهم ، أما في حق الرسول - عليه الصلاة والسلام - فغير جائز ؛ لأنه يوجب نقصان منصبه .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن مثل هذا السؤال الذي يعلم أنه لا فائدة فيه إما أن يكون عبثا أو معصية ; وكلاهما جائزان على أهل النار وغير جائزين على أكابر الأنبياء عليهم السلام .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : أنه تعالى لما بين أن العلة المانعة من هذا الاستغفار هو تبين كونهم من أصحاب النار ، وهذه العلة لا تختلف بأن يكونوا من الأقارب أو من الأباعد ، فلهذا السبب قال تعالى :( ولو كانوا أولي قربى ) وكون سبب النزول ما حكينا يقوي هذا الذي قلناه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية