الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة التاسعة عشرة : في عموم المفهوم

                        اختلفوا في المفهوم ، هل له عموم أو لا ؟

                        فذهب الجمهور إلى أن له عموما ، وذهب القاضي أبو بكر الغزالي ، وجماعة من الشافعية إلى أنه لا عموم له .

                        قال الغزالي : من يقول بالمفهوم قد يظن أن له عموما ، ويتمسك به ثم رده بأن العموم من عوارض الألفاظ ، والمفهوم ليست دلالته لفظية ، فإذا قال : في سائمة الغنم الزكاة ، فنفي الزكاة عن المعلوفة ليس بلفظ حتى يعم أو يخص .

                        ورد ذلك صاحب المحصول : فقال إن كنت لا تسميه عموما لأنك لا تطلق لفظ العام إلا على الألفاظ فالنزاع لفظي ، وإن كنت تعني به أنه لا يعرف منه انتفاء الحكم عن جميع ما عداه فهو باطل ; لأن البحث على أن المفهوم هل له عموم أم لا ، ومتى ثبت كون المفهوم حجة لزم القطع بانتفائه عما عداه ; لأنه لو ثبت الحكم في غير المذكور لم يكن لتخصيصه بالذكر فائدة . انتهى .

                        قال القرافي : والظاهر من حال الغزالي أنه إنما خالف في التسمية ; لأن لفظ العموم إنما وضع للفظ لا للمعنى .

                        قال ابن الحاجب : إنما أراد الغزالي أن العموم لم يثبت بالمنطوق به فقط ، بل بواسطته ، وهذا مما لا خلاف فيه ، وقال : الخلاف لا يتحقق في هذه المسألة .

                        قال الإبياري في شرح البرهان أن القائل بأن للمفهوم عموما مستنده أنه إذا قيل [ ص: 383 ] له : في سائمة الغنم الزكاة ، فقد تضمن ذلك قولا آخر ، وهو لا زكاة في المعلوفة ، وهو ولو صرح بذلك لكان عاما في المقصود ، أما إذا وجدنا صورة من صور المفهوم موافقة للمنطوق به ، فهل نقول بطل المفهوم بالكلية ، حتى لا يتمسك به في غير تلك الصورة ، أو نقول يتمسك به فيما وراء ذلك ؟ هذا موضع نظر .

                        قال : والأشبه بناء ذلك على أن مستند المفهوم ماذا : هل هو البحث عن فوائد التخصيص ، كما هو اختيار الشافعي ، فلا يصح أن يكون له عموم ، وإن قلنا : استناده إلى عرف لغوي فصحيح ، وخرج من كلامه وكلام الشيخ أن الخلاف معنوي ، وليس الخلاف لفظيا ، كما زعموا . انتهى .

                        قال العضد في شرحه لمختصر المنتهى : وإذا حرر محل النزاع لم يتحقق خلاف ; لأنه إن فرض النزاع في أن مفهومي الموافقة والمخالفة يثبت بهما الحكم في جميع ما سوى المنطوق من الصور أو لا ، فالحق الإثبات ، وهو مراد الأكثر ، والغزالي لا يخالفهم فيه ، وإن فرض أن ثبوت الحكم فيهما بالمنطوق أو لا ، فالحق النفي ، وهو مراد الغزالي ، وهم لا يخالفونه فيه ، ولا ثالث هاهنا يمكن فرضه محل النزاع .

                        والحاصل أنه نزاع لفظي يعود إلى تفسير العام بأنه ما يستغرق في محل النطق ، أو ما يستغرق في الجملة . انتهى .

                        قال الزركشي : ما ذكروه من عموم المفهوم حتى يعمل به فيما عدا المنطوق يجب تأويله على أن المراد ما إذا كان المنطوق جزئيا ، وبيانه أن الإجماع على أن الثابت بالمفهوم إنما هو نقيض المنطوق ، والإجماع على أن نقيض الكلي المثبت جزئي سالب ، ونقيض الجزئي المثبت كلي سالب ، ومن هاتين المقدمتين يعلم أن ما كان منطوقه كليا سالبا ، كان مفهومه جزئيا سالبا ، فيجب تأويل قولهم : إن المفهوم عام ، على ما إذا كان المنطوق به خاصا ليجتمع أطراف الكلام . انتهى .

                        وقد تقدم في مسألة الخلاف في كون العموم من عوارض الألفاظ فقط ، أم من [ ص: 384 ] عوارض الألفاظ والمعاني ، وكذلك سيأتي إن شاء الله تعالى في بحث المفهوم ما إذا تأملته زادك بصيرة .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية