الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما أصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين : يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا أي لما يظهر من الإسلام بلسانه ويشهد الله على ما في قلبه أنه مخالف لما يقوله بلسانه وهو ألد الخصام أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك وإذا تولى خرج من عندك سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد أي لا يحب عمله ولا يرضى به ومن الناس من يشري نفسه الآية ، الذين شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني بهذه السرية [ ص: 476 ] وأخرج ابن المنذر عن أبي إسحاق قال : كان الذين أجلبوا على خبيب في قتله نفر من قريش عكرمة بن أبي جهل وسعيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود والأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة وعبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي حليف بني أمية بن عبد شمس وأمية بن أبي عتبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ومن الناس من يعجبك الآية ، قال نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وقال : جئت أريد الإسلام ويعلم الله إني لصادق ، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه فذلك قوله ويشهد الله على ما في قلبه ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله وإذا تولى سعى في الأرض الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن الكلبي قال : كنت جالسا بمكة فسألوني عن هذه الآية ومن الناس من يعجبك قوله الآية ، قلت : هو الأخنس بن شريق ومعنا فتى من ولده فلما قمت اتبعني فقال : إن القرآن إنما نزل في أهلمكة فإن رأيت أن لا تسمي أحدا حتى تخرج منها فافعل [ ص: 477 ] وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير والبيهقي في « الشعب » عن أبي سعيد المقبري ، أنه ذاكر محمد بن كعب القرظي فقال : إن في بعض كتب الله : إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين ، قال الله تعالى : أعلي يجترئون وبي يغترون وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران ، فقال محمد بن كعب : هذا في كتاب الله ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية ، فقال سعيد : قد عرفت فيمن أنزلت ، فقال محمد بن كعب : إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في « الزهد » عن الربيع بن أنس قال : أوحى الله إلى نبي من الأنبياء : ما بال قومك يلبسون مسوك الضأن ويتشبهون بالرهبان كلامهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر أبي يغترون أم إياي يخادعون وعزتي لأتركن العالم منهم حيران ليس مني من تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له من آمن بي فليتوكل علي ومن لم يؤمن فليتبع غيري .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في « الزهد » عن وهب ، أن الرب تبارك وتعالى قال لعلماء بني إسرائيل : تفقهون لغير الدين وتعلمون لغير العمل وتبتغون الدنيا بعمل [ ص: 478 ] الآخرة تلبسون مسوك الضأن وتخفون أنفس الذئاب وتتقون القذى من شرابكم وتبتلعون أمثال الجبال من المحارم وتثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ولا تعينونهم برفع الخناصر تبيضون الثياب وتطيلون الصلاة تنتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي وحكمة الحكيم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية