الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              382 (باب أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى).

                                                                                                                              وذكره النووي في خصال الفطرة.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 147 ج3 المطبعة المصرية.

                                                                                                                              [(عن ابن عمر رضي الله عنهما (قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى) ]. .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              وفي الرواية الأخرى: "أعفوا اللحى".

                                                                                                                              قال ابن دريد: يقال: "حفا الرجل شاربه" يحفوه "حفوا" إذا استأصل أخذ شعره.

                                                                                                                              [ ص: 85 ] وقال غيره: عفوت الشعر، وأعفيته: لغتان. وتقدم معنى "الإحفاء"؛ "والإعفاء".

                                                                                                                              وأما "أوفوا" فهو بمعنى "أعفوا" أي: اتركوها وافية كاملة، لا تقصوها.

                                                                                                                              قال ابن السكيت وغيره: يقال في جمع اللحية: "لحى"، "ولحى" بكسر اللام، وضمها، لغتان، والكسر أفصح.

                                                                                                                              وفي رواية: "أرخوا" بالخاء، ومعناه: اتركوها، ولا تتعرضوا لها بتغيير.

                                                                                                                              وذكر عياض: أنه وقع في رواية الأكثرين.

                                                                                                                              وفي أخرى: "أرجوا" بالجيم. وهو بمعنى الأول من الإرجاء أي: أخروها واتركوها.

                                                                                                                              وفي رواية البخاري: "وفروا اللحى". فحصل خمس روايات: "أعفوا" "وأوفوا"، "وأرخوا"، "وأرجوا"، "ووفروا".

                                                                                                                              قال النووي: ومعناها كلها: "تركها على حالها". هذا هو الظاهر من الحديث، الذي تقتضيه ألفاظه. وهو الذي قاله جماعة من الشافعية، وغيرهم، من أهل العلم.

                                                                                                                              وقال عياض: يكره حلقها، وقصها، وتحريقها. وأما الأخذ من طولها، وعرضها، فحسن.

                                                                                                                              وتكره الشهرة في تعظيمها، كما تكره في قصها وجزها.

                                                                                                                              [ ص: 86 ] قال: وقد اختلف السلف؛ هل لذلك حد؟

                                                                                                                              فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك. إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدا.

                                                                                                                              ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال.

                                                                                                                              ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج، أو عمرة.

                                                                                                                              ولعل الشاعر قال على مذهب مالك ما قال:


                                                                                                                              لي حبيب وله لحية طولها عمدا بلا فائدة كأنها بعض ليالي الشتا
                                                                                                                              طويلة مظلمة باردة.

                                                                                                                              وأما الشارب: فذهب كثير من السلف إلى استئصاله، وحلقه، بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : "أخفوا وأنهكوا" وهو قول الكوفيين.

                                                                                                                              وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال، وهو قول مالك. وكان يرى حلقه "مثلة". ويأمر بأدب فاعله. وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه.

                                                                                                                              ويذهب هؤلاء إلى أن: الإحفاء، والجز، والقص، بمعنى واحد.

                                                                                                                              وهو الأخذ منه، حتى يبدو طرف الشفة.

                                                                                                                              وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين.

                                                                                                                              هذا آخر كلام القاضي عياض.

                                                                                                                              [ ص: 87 ] وقال النووي: المختار ترك اللحية على حالها، وأن لا يتعرض لها بتقصير شيء أصلا. والمختار في الشارب؛ ترك الاستئصال، والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية