الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
929 حدثنا محمد بن عبد الله القرمطي من ولد عامر بن ربيعة ببغداد ، حدثنا يحيى بن سليمان بن نضلة الخزاعي ، حدثنا عمي محمد بن نضلة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، حدثتني ميمونة بنت الحارث زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بات عندها في ليلتها ، فقام يتوضأ للصلاة ، فسمعته يقول في متوضئه : " لبيك لبيك ثلاثا ، نصرت نصرت ثلاثا " ، فلما خرج قلت : يا رسول الله ، سمعتك تقول في متوضئك : " لبيك لبيك ثلاثا ، نصرت نصرت ، ثلاثا " ، كأنك تكلم إنسانا ، فهل كان معك أحد ؟ فقال : " هذا راجز بني كعب يستصرخني ، ويزعم أن قريشا أعانت عليهم بني بكر " ، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فأمر عائشة أن تجهزه ، ولا تعلم أحدا ، قالت : فدخل عليها أبو بكر ، فقال : يا بنية ، ما هذا الجهاز ؟ فقالت : والله ما أدري ، فقال : والله ما هذا زمان غزو بني الأصفر ، فأين يريد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟ قالت : والله لا علم لي ، قالت : فأقمنا ثلاثا ، ثم صلى الصبح بالناس ، فسمعت الراجز ينشده :

[ ص: 74 ]

يا رب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا     إنا ولدناك وكنت ولدا
ثمة أسلمنا ولم ننزع يدا     إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا     وزعموا أن لست تدعو أحدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا     وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا     إن سيم خسفا وجهه تربدا

.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : " لبيك لبيك ثلاثا ، نصرت نصرت ، ثلاثا " ، ثم خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلما كان بالروحاء نظر إلى سحاب منتصب ، فقال : " إن السحاب هذا لينتصب بنصر بني كعب " ، فقام رجل من بني عدي بن عمرو أخو بني كعب بن عمرو ، فقال : يا رسول الله ، ونصر بني عدي ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : " ترب نحرك ، وهل عدي إلا كعب ، وكعب إلا عدي " ، فاستشهد ذلك الرجل في ذلك السفر ، ثم قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : " اللهم ، اعم عليهم خبرنا حتى نأخذهم بغتة " ، ثم خرج حتى نزل بمرو ، وكان أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء خرجوا تلك الليلة حتى أشرفوا على مرو ، فنظر أبو سفيان إلى النيران ، فقال : يا بديل ، هذه نار بني كعب أهلك ، فقال : جاشتها إليك الحرب ، فأخذتهم مزينة تلك الليلة ، وكانت عليهم الحراسة ، فسألوا أن يذهبوا بهم إلى العباس بن عبد المطلب ، فذهبوا بهم ، فسأله أبو سفيان أن يستأمن لهم من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فخرج [ ص: 75 ] بهم حتى دخل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فسأله أن يؤمن له من آمن ، فقال : " قد أمنت من أمنت ما خلا أبا سفيان " ، فقال : يا رسول الله ، لا تحجر علي ، فقال : " من أمنت فهو آمن " ، فذهب بهم العباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ثم خرج بهم ، فقال أبو سفيان : إنا نريد أن نذهب ، فقال : " أسفروا " ، وقام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتوضأ ، وابتدر المسلمون وضوءه ينتضحونه في وجوههم ، فقال أبو سفيان : يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ، فقال : ليس بملك ، ولكنها النبوة ، وفي ذلك يرغبون
. لم يروه عن جعفر إلا محمد بن نضلة . تفرد به يحيى بن سليمان ، ولا يروى عن ميمونة إلا بهذا الإسناد .

التالي السابق


الخدمات العلمية