الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              وقوله: ليطلقها طاهرا أو حاملا دليل على أن الحامل طلاقها سني، قال ابن عبد البر: "لا خلاف بين العلماء أن الحامل طلاقها للسنة"، قال الإمام أحمد: أذهب إلى حديث سالم، عن أبيه ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا . وعن أحمد رواية أخرى، أن طلاق الحامل ليس بسني ولا بدعي، وإنما يثبت لها ذلك من جهة العدد، لا من جهة الوقت.

                                                              ولفظة " الحمل " في حديث ابن عمر انفرد بها مسلم وحده في بعض طرق الحديث. ولم يذكرها البخاري. فلذلك لم يكن طلاقها سنيا ولا بدعيا، لأن الشارع لم يمنع منه.

                                                              فإن قيل: إذا لم يكن سنيا كان طلاقها بدعيا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أباح [ ص: 512 ] طلاقها في طهر لم يمسسها فيه، فإذا مسها في الطهر وحملت واستمر حملها، استمر المنع من الطلاق، فكيف يبيحه تجدد ظهور الحمل، فإذا لم يثبتوا هذه اللفظة لم يكن طلاق الحامل جائزا.

                                                              فالجواب: أن المعنى الذي لأجله حرم الطلاق بعد المسيس معدوم عند ظهور الحمل، لأن المطلق عند ظهور الحمل قد دخل على بصيرة، فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم، وليست المرأة مرتابة لعدم اشتباه الأمر عليها، بخلاف طلاقها مع الشك في حملها. والله أعلم.

                                                              وقوله " طاهرا أو حاملا " احتج به من قال: الحامل لا تحيض، لأنه صلى الله عليه وسلم حرم الطلاق في زمن الحيض، وأباحه في وقت الطهر والحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم يبح طلاقها حاملا إذا رأت الدم، وهو خلاف الحديث.

                                                              ولأصحاب القول الآخر أن يجيبوا، عن ذلك، بأن حيض الحامل لما لم يكن له تأثير في العدة بحال لا في تطويلها ولا تخفيفها، إذ عدتها بوضع الحمل، أباح الشارع طلاقها حاملا مطلقا، وغير الحامل لم يبح طلاقها إلا إذا لم تكن حائضا، لأن الحيض يؤثر في العدة، لأن عدتها بالأقراء.

                                                              فالحديث دل على أن المرأة لها حالتان، إحداهما: أن تكون حائلا، فلا تطلق إلا في طهر لم يمسسها فيه. والثانية: أن تكون حاملا، فيجوز طلاقها.

                                                              والفرق بين الحامل وغيرها في الطلاق إما هو بسبب الحمل وعدمه، لا بسبب حيض ولا طهر ولهذا يجوز طلاق الحامل بعد المسيس، دون الحائل، وهذا جواب سديد والله أعلم.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية