الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فأما الإنسان إلخ متصل بما عنده كأنه قيل: إنه سبحانه لبالمرصاد من أجل الآخرة فلا يطلب عز وجل إلا السعي لها، فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها، فإن نال منها شيئا رضي الله وإلا سخط وكان اللائق أن لا يهمه إلا ما يطلبه الله عز وجل ولا يكون حاله ذلك. وقيل: هو متصل به متفرع عليه على معنى: فالإنسان يؤاخذ لا محالة لأنه بين غنى مهلك موجب للتكبر والافتخار بالدنيا، وبين فقر لا يصبر عليه ويكفر لأجله بالجزع والقول بما لا ينبغي وهو كما ترى.

                                                                                                                                                                                                                                      إذا ما ابتلاه ربه أي: عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار ليرى هل يشكر أم لا. والفاء في قوله سبحانه: فأكرمه ونعمه تفسيرية؛ فإن الإكرام والتنعيم عين المراد بالابتلاء، ولما كان الإكرام والتنعيم في حكم شيء واحد اقتصر على قوله: أكرمن في قوله سبحانه: فيقول ربي أكرمن ولم يضم إليه ونعمتي. وهذه الجملة خبر للمبتدأ الذي هو الإنسان، والفاء لما في أما من معنى الشرط والظرف؛ أعني إذا متعلق ب «يقول» وهو [ ص: 126 ] على نية التأخير ولا تمنع الفاء من ذلك كما صرح به الزمخشري وغيره من متقدمي النحاة وتبعهم من بعدهم كأبي حيان والسمين والسفاقسي مع جمع غفير من المفسرين، وهو كما قال الشهاب الحق الذي لا محيد عنه، وخالفهم في ذلك الرضي ومن تبعه كالبدر الدماميني في شرح المغني، فقالوا: إنما يجوز تقديم ما بعد الفاء عليها إذا كان المقدم هو الفاصل بين أما والفاء، لما يتعلق بتقديمه من الأغراض، فإن كان ثمت فاصل آخر امتنع تقديم غيره فيمتنع: أما زيد طعامك فآكل، وإن جاز أما طعامك فزيد آكل، وقالوا في ذلك أنهم لما التزموا حذف الشرط لزم دخول أداته على فاء الجواب وهو مستكره فدعت الضرورة للفصل بينهما بشيء مما بعد الفاء، والفاصل الواحد كاف فيه فيجب الاقتصار عليه. وزعم الجلبي محشي المطول أن هذا متفق عليه فرد به على المفسرين إعرابهم السابق وقال: إنه خطأ، والصواب أن يجعل الظرف متعلقا بمقدر وهو ابتدأ في الحقيقة، والتقدير: فأما شأن الإنسان إذا... إلخ. فالظرف من تتمة الجزء المفصول وبه ليس فاصلا ثانيا كقولك: أما إحسان زيد إلى الفقير فحسن، ويريد على تقديره أنه لا يصح وقوع جملة يقول خبرا عن الشأن إلا بتعسف كأن يكون الفعل بتأويل المصدر وإن لم تكن معه في اللفظ أن المصدرية كما قيل في:«تسمع بالمعيدي خير من أن تراه». وهو فرار من السحاب إلى الميزاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب أبو البقاء إلى أن «إذا» شرطية، وقوله تعالى: فيقول جوابها، والجملة الشرطية خبر «الإنسان»، ويلزمه حذف الفاء بدون القول وقد قيل: إنه ضرورة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية