الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل: للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين

المعنى: قل: يا أيها الكفرة المستعجلون عذاب الله عز وجل أرأيتم إن أتاكم عذابه ليلا وقت المبيت؟ يقال: بيت القوم القوم إذا طرقوهم ليلا بحرب أو نحوها، "أو نهارا" لكم منه منعة أو به طاقة؟ فماذا تستعجلون منه، وأنتم لا قبل لكم به؟ و "ما" ابتداء، و "ذا" خبره، ويصح أن تكون "ماذا" بمنزلة اسم واحد في موضع رفع بالابتداء وخبره الجملة التي بعده، وضعف هذا أبو علي وقال: إنما يجوز ذلك على تقدير إضمار في "يستعجل" وحذفه كما قال :

............................. ... كله لم أصنع



[ ص: 490 ] و"زيد ضربت"، قال: ويصح أن تكون "ماذا" في حال نصب لـ"يستعجل"، والضمير في "منه" يحتمل أن يعود على الله عز وجل، ويحتمل أن يعود على العذاب .

وقوله تعالى: أثم إذا ما وقع الآية، عطف بقوله: "ثم" جملة القول على ما تقدم، ثم أدخل على الجميع ألف التقرير. ومعنى الآية: إذا وقع العذاب وعاينتموه آمنتم به حينئذ، وذلك غير نافعكم، بل جوابكم الآن، وقد كنتم تستعجلونه مكذبين به، وقرأ طلحة بن مصرف : "أثم" بفتح الثاء، وقال الطبري في قوله تعالى: "ثم" بضم الثاء، معناه: هنالك، وقال: ليست "ثم" هذه التي تأتي بمعنى العطف.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

والمعنى صحيح على أنها "ثم" المعروفة، ولكن إطباقه على لفظ التنزيل هو كما قلنا، وما ادعاه الطبري غير معروف. و"آلآن" أصله عند بعض النحاة "آن" فعل ماض دخلت عليه الألف واللام على حدها في قوله:


............................. ...      .......الحمار اليجدع



[ ص: 491 ] ولم يتعرف بذلك كل التعريف، ولكنها لفظة مضمنة معنى حرف التعريف ولذلك بنيت على الفتح لتضمنها معنى الحرف، ولوقوعها موقع المبهم، لأن معناها: "هذا الوقت"، وقرأ الأعمش ، وأبو عمرو ، وعاصم ، والجمهور: "آلآن" بالمد والاستفهام على حد التوبيخ، وكذلك "آلآن وقد عصيت"، وقرأها باستفهام بغير مد طلحة والأعرج .

وقوله تعالى: ثم قيل للذين ظلموا الآية، هو الوعيد الأعظم بالخلود لأهل الظلم الأخص الذي هو ظلم الكفر لا ظلم المعصية، وقوله: هل تجزون توقيف وتوبيخ. ونصت هذه الآية على أن الجزاء في الآخرة هو على تكسب العبد.

وقوله تعالى: ويستنبئونك معناه: يستخبرونك، وهي -على هذا- تتعدى إلى مفعولين: أحدها الكاف، والآخر في الابتداء والخبر، وقيل: هي بمعنى يستعلمونك، فهي -على هذا- تحتاج إلى مفاعيل ثلاثة: أحدها الكاف، والابتداء والخبر يسد مسد المفعولين.

و أحق هو قيل: الإشارة إلى الشرع والقرآن، وقيل: إلى الوعيد، وهو الأظهر، وقرأ الأعمش : "آلحق هو" بمدة وبلام التعريف، وقوله: "إي" هي لفظة تتقدم القسم، وهي بمعنى "نعم"، ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء، تقول: إي وربي، وإي ربي، و"معجزين" معناه: مفلتين، وهذا الفعل أصله تعدية "عجز" لكن كثر فيه حذف المفعول حتى قالت العرب: "أعجز فلان" إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية