الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ

                                                                                                                                                                                                                                        (13 ) لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك وعدم مللهم ؛ ذكر منتهى ما وصلت بهم الحال مع قومهم فقال : وقال الذين كفروا لرسلهم متوعدين لهم : لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا : وهذا أبلغ ما يكون من الرد ، وليس بعد هذا فيهم مطمع ؛ لأنه ما كفاهم أن أعرضوا عن الهدى بل توعدوهم بالإخراج من ديارهم ونسبوها إلى أنفسهم وزعموا أن الرسل لا حق لهم فيها ، وهذا من أعظم الظلم؛ فإن الله أخرج عباده إلى الأرض ، وأمرهم بعبادته ، وسخر لهم الأرض وما عليها يستعينون بها على عبادته ؛ فمن استعان بذلك على عبادة الله حل له ذلك وخرج من التبعة ، ومن استعان بذلك على الكفر وأنواع المعاصي ؛ لم يكن ذلك خالصا له ، ولم يحل له ، فعلم أن أعداء الرسل في الحقيقة ليس لهم شيء من الأرض التي توعدوا الرسل بإخراجهم منها . وإن رجعنا إلى مجرد العادة فإن الرسل من جملة أهل بلادهم ، وأفراد منهم ، فلأي شيء يمنعونهم حقا لهم صريحا واضحا ؟ ! هل هذا إلا من عدم الدين والمروءة بالكلية ؟

                                                                                                                                                                                                                                        ولهذا لما انتهى مكرهم بالرسل إلى هذه الحال ما بقي حينئذ إلا أن يمضي الله أمره ، وينصر أولياءه ، فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين : بأنواع العقوبات .

                                                                                                                                                                                                                                        (14 ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك أي : العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء لمن خاف مقامي : عليه في الدنيا ، وراقب الله مراقبة من يعلم أنه يراه ، وخاف وعيد أي : ما توعدت به من عصاني ؛ فأوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله والمبادرة إلى ما يحبه الله .

                                                                                                                                                                                                                                        (15 واستفتحوا أي : الكفار؛ أي : هم الذين طلبوا واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين أوليائه وأعدائه ، فجاءهم ما استفتحوا به ، وإلا فالله حليم ، لا يعاجل [ ص: 845 ] من عصاه بالعقوبة ، وخاب كل جبار عنيد أي : خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله واستكبر في الأرض وعاند الرسل وشاقهم .

                                                                                                                                                                                                                                        (16 من ورائه جهنم أي : جهنم لهذا الجبار العنيد بالمرصاد ، فلا بد له من ورودها فيذاق حينئذ العذاب الشديد ، ويسقى من ماء صديد : في لونه وطعمه ورائحته الخبيثة ، وهو في غاية الحرارة .

                                                                                                                                                                                                                                        (17 يتجرعه من العطش الشديد ، ولا يكاد يسيغه : فإنه إذا قرب إلى وجهه شواه وإذا وصل إلى بطنه قطع ما أتى عليه من الأمعاء ، ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت أي : يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من أنواع العذاب ، وكل نوع منه من شدته يبلغ إلى الموت ، ولكن الله قضى أن لا يموتوا كما قال تعالى : لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور . وهم يصطرخون فيها ، ومن ورائه أي : الجبار العنيد عذاب غليظ أي : قوي شديد لا يعلم بوصفه وشدته إلا الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية