الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2633 ص: حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : ثنا سعيد بن منصور ، قال : ثنا هشيم ، عن يونس ، عن منصور ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله - عليه السلام - : " لا يقطع الصلاة مرور شيء إذا كان بين يديه كآخرة الرحل ، وقال : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود ، قال : قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الأحمر من الأبيض ؟ فقال : يا ابن أخي سألتني عما سألت رسول الله - عليه السلام - فقال : "إن الكلب الأسود شيطان " .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح ، ويونس هو ابن عبيد بن دينار البصري ، روى له الجماعة ، ومنصور هو ابن زاذان الواسطي روى له الجماعة ، وحميد بن هلال بن هبيرة البصري روى له الجماعة ، وعبد الله بن الصامت الغفاري البصري ابن أخي أبي ذر روى له الجماعة البخاري مستشهدا ، وأبو ذر جندب بن جنادة .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا ابن أبي شيبة ، قال : نا إسماعيل ابن علية .

                                                وحدثني زهير بن حب ، قال : نا إسماعيل بن إبراهيم ، عن يونس ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "إذا قام [ ص: 106 ] أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ، قلت : يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال : يا ابن أخي سألت رسول الله - عليه السلام - كما سألتني ، فقال : الكلب الأسود شيطان " .

                                                وأخرجه الأربعة أيضا مطولا ومختصرا .

                                                قوله : "كآخرة الرحل " أي كقدر مؤخر الرحل ، و"الرحل " بفتح الراء وسكون الحاء المهملتين : الذي تركب عليه الإبل ، وهو الكور . وقال الجوهري : الرحل رحل البعير وهو أصغر من القتب ، والجمع الرحال ، وثلاثة أرحل .

                                                وقال عياض : آخرة الرحل هو العود الذي في آخر الرحل .

                                                والمؤخرة : -بضم الميم وكسر الخاء- كذا قاله أبو عبيد ، وحكى ثابت فيه فتح الخاء ، وأنكره ابن قتيبة ، وأنكر ابن مكي أن يقال مقدم ومؤخر -بالكسر- إلا في المعين خاصة ، وغيره بالفتح ، ورواه بعض الرواة بفتح الواو وتشديد الخاء .

                                                قوله : "من الأبيض " معناه ما بال الأسود من الأبيض .

                                                قوله : "إن الكلب الأسود شيطان " فيه معنيان : الأول يجوز أن يكون حقيقا ويكون الكلب الأسود جنسا من الشياطين ; لأن الشياطين أجناس وأنواع كالعفاريت والسفالي والغيلان ، ويجوز أن يكون بمعنى تشبيه بليغ لوصف خاص فيه دون غيره من الكلاب .

                                                ويستنبط منه أحكام :

                                                الأول : أن المصلي إذا كان بينه وبين المار سترة ; لا يضر صلاته مرور المار . [ ص: 107 ] واختلفوا في المقدار الذي يكون بينه وبين السترة ; فقيده بعض الناس بشبر ، وآخرون بثلاثة أذرع وبه قال الشافعي وأحمد ، وهو قول عطاء وآخرون بستة ذكر السفاقسي قال : أبو إسحاق : رأيت عبد الله بن مغفل يصلي بينه وبين القبلة ستة أذرع ، وفي نسخة "بثلاثة أذرع " ، وفي مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح نحوه ، وقال : القرطبي لم يحد مالك في ذلك حدا إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد ويتمكن من دفع من يمر بين يديه .

                                                وقال : أبو داود : نا القعنبي والنفيلي ، قالا نا عبد العزيز -هو ابن أبي حازم- قال : أخبرني أبي ، عن سهل قال : "كان بين مقام النبي - عليه السلام - وبين القبلة ممر عنز " .

                                                الثاني : أن مقدار السترة ينبغي أن يكون كقدر مؤخرة الرحل ، وقال : عياض أقل ما يجزئ من ذلك : قدر عظم الذراع في غلظ الرمح عند مالك وهو التفات إلى صلاته - عليه السلام - لمؤخرة الرحل في الارتفاع وللعنزة في الغلظ .

                                                الثالث : اختلف العلماء في هذا الحديث ، فقال بظاهره جماعة من الصحابة والتابعين على ما يجيء بيانه مستقصى إن شاء الله تعالى .




                                                الخدمات العلمية