الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                  صفحة جزء
                                                  8759 وبه ، حدثني الليث ، قال : حدثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن يزيد بن رومان ، عن ابن عباس قال : كنت أريد أن أسأل عمر بن الخطاب ، عن قول الله عز وجل : وإن تظاهرا عليه فكنت أهابه حتى حججنا معه حجة ، فقلت : لئن لم أسأله في هذه الحجة لا أسأله ، فلما قضينا حجنا أدركناه وهو ببطن مرو قد تخلف لبعض حاجته ، فقال : مرحبا يا ابن عم رسول الله ، ما حاجتك ؟ قلت : شيء كنت أريد أن أسألك عنه يا أمير المؤمنين ، فكنت أهابك ، فقال : سلني عما شئت ، فإنا لم نكن نعلم شيئا حتى تعلمنا ، فقلت : أخبرني عن قول الله عز وجل : وإن تظاهرا عليه من هما ؟ فقال : لا تسأل أحدا أعلم بذلك مني ، كنا بمكة لا تكلم أحدنا امرأته ، إنما هن خادم البيت ، فإذا كان له حاجة شفع برجليها فقضى حاجته ، فلما قدمنا المدينة تعلمن من نساء الأنصار ، فجعلن يكلمننا ويراجعننا ، وإني أمرت غلمانا لي ببعض الحاجة ، فقالت امرأتي : بل اصنع كذا وكذا ، فقمت إليها بقضيب فضربتها به ، فقالت : يا عجبا لك [ ص: 350 ] يا ابن الخطاب ، تريد ألا تكلم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه نساؤه ، فخرجت فدخلت على حفصة ، فقلت : يا بنية انظري ، لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ، ولا تسأليه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دنانير ولا دراهم يعطيكن ، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه ، وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس ، ثم دخل على نسائه امرأة امرأة ، يسلم عليهن ، ويدعو لهن ، فإذا كان يوم إحداهن جلس عندها ، وإنها أهديت لحفصة بنت عمر عكة عسل من الطائف أو من مكة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها يسلم حبسته حتى تلعقه منها أو تسقيه منها ، وإن عائشة أنكرت احتباسه عندها ، فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها : خضراء : إذا دخل على حفصة فادخلي عليها ، فانظري ما يصنع ، فأخبرتها الجارية ما يصنع بشأن العسل ، فأرسلت عائشة إلى صواحبها فأخبرتهن ، وقالت : إذا دخل عليكن فقلن : إنا نجد منك ريح مغافير ، ثم إنه دخل على عائشة ، فقالت : يا رسول الله ، أطعمت شيئا منذ اليوم ؟ فإني أجد منك ريح مغافير ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد شيء عليه أن يوجد منه ريح شيء ، فقال : " هو عسل ، والله لا أطعمه أبدا " ، حتى إذا كان يوم حفصة ، قالت : يا رسول الله ، إن لي حاجة إلى أبي ، إن نفقة لي عنده ، فائذن لي [ ص: 351 ] أن آتيه ، فأذن لها ، ثم إنه أرسل إلى مارية جاريته ، فأدخلها بيت حفصة ، فوقع عليها ، فأتت حفصة ، فوجدت الباب مغلقا ، فجلست عند الباب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ، ووجهه يقطر عرقا ، وحفصة تبكي ، فقال : " ما يبكيك ؟ " فقالت : إنما أذنت لي من أجل هذا ، أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها على فراشي ، ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن ، أما والله ما يحل لك هذا يا رسول الله ، فقال : " والله ما صدقت ، أليس هي جاريتي قد أحلها الله لي ؟ أشهدك أنها علي حرام ، ألتمس بذلك رضاك ، انظري ألا تخبري بهذا امرأة منهن ، فهي عندك أمانة " ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة ، فقالت : ألا أبشرك ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته ، وقد أراحنا الله منها ، فقالت عائشة : أما والله لقد كان يريبني أنه يقيل من أجلها ، فأنزل الله عز وجل : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإن تظاهرا عليه فهي عائشة وحفصة ، وزعموا أنهما كانتا لا تكتم إحداهما الأخرى شيئا ، وكان لي أخ من الأنصار إذا حضرت وغاب في بعض ضيعته حدثته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا غبت في بعض ضيعتي حدثني ، فأتاني يوما وقد كنا نتخوف جبلة بن الأيهم الغساني ، فقال : ما دريت ما كان ؟ فقلت : وما ذاك ، لعل [ ص: 352 ] جبلة بن الأيهم الغساني يذكر ؟ فقال : لا ، ولكنه أشد من ذلك ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فلم يجلس كما كان يجلس ، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع ، وقد اعتزل في مشربته ، وقد ترك الناس يموجون ، ولا يدرون ما شأنه ؟ فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون ، فقلت : يا أيها الناس ، كما أنتم ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مشربته قد جعلت له عجلة فرقى عليها ، فقلت لغلام له أسود وكان يحجبه : استأذن لعمر بن الخطاب ، فاستأذن لي فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربته فيها حصير وأهب معلقة ، وقد أفضى بجنبه إلى الحصير ، فأثر الحصير في جنبه ، وتحت رأسه وسادة من أدم محشوة ليفا ، فلما رأيته بكيت ، فقال : " ما يبكيك ؟ " قلت : يا رسول الله ، فارس والروم يضطجع أحدهم في الديباج والحرير ، فقال : " إنهم عجلت لهم طيباتهم في الدنيا ، والآخرة لنا " ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما شأنك ؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض ، فعن خبر أتاك اعتزلتهن ؟ فقال : " لا ولكن بيني وبين أزواجي شيء ، فأقسمت ألا أدخل عليهن شهرا " ، ثم خرجت على الناس فقلت : يا أيها الناس ، ارجعوا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين أزواجه شيء فأحب أن يعتزل . ثم دخلت على حفصة ، فقلت : يا بنية ، أتكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيظين وتغارين عليه ؟ فقالت : لا أكلمه بعد بشيء يكرهه ، ثم دخلت [ ص: 353 ] على أم سلمة وكانت خالتي ، فقلت لها كما قلت لحفصة ، فقالت : عجبا لك يا عمر بن الخطاب ، كل شيء تكلمت فيه حتى تريد أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه ، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم ، فأنزل الله عز وجل : ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا حتى فرغ من الآية .

                                                  لم يرو هذا الحديث عن يزيد بن رومان إلا سعيد بن أبي هلال ، ولا عن سعيد إلا خالد بن يزيد ، تفرد به : الليث " .

                                                  التالي السابق


                                                  الخدمات العلمية