الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
50 [ ص: 329 ] حديث سابع لزيد بن أسلم مسند صحيح

مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة ، ثم صلى ، ولم يتوضأ .

التالي السابق


عند عطاء بن يسار في هذا الباب أيضا حديث عن أم سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني محمد بن يوسف أن عطاء بن يسار أخبره أن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته : أنها قربت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنبا مشويا فأكل منه ، ثم قام إلى الصلاة ، ولم يتوضأ ، وليس هذا باختلاف ( على عطاء بن يسار في الإسناد ) ، وهما حديثان صحيحان .

[ ص: 330 ] قال أبو عمر :

روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : توضئوا مما غيرت النار ، وتوضئوا مما مست النار ، وذهب بعض من تكلم في تفسير حديث النبي عليه السلام إلى أن قوله عليه السلام توضئوا مما مست ( النار أنه ) عنى به غسل اليد ; لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة ، وهي النظافة ، فكأنه قال : فنظفوا أيديكم من غمر ما مست النار ، ومن دسم ما مست النار ، وهذا لا معنى له عند أهل العلم ، ولو كان كما ظن هذا القائل ، لكان دسم ما لم تسمه النار ، وودك ما لم تمسه النار لا يتنظف منه ، ولا تغسل منه اليد ، وهذا لا يصح عند ذي لب .

وتأويله هذا يدل على ضعف نظره ، وقلة علمه بما جاء عن السلف في هذه المسألة اهـ - والله أعلم - .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : توضئوا مما مست النار أمر منه بالوضوء المعهود للصلاة لمن أكل طعاما مسته النار ، وذلك عند أكثر العلماء ( وعند جماعة أئمة الفقهاء ) منسوخ بأكله - صلى الله عليه وسلم - طعاما مسته النار ، وصلاته بعد ذلك دون أن يحدث وضوءا ، فاستدل العلماء بذلك على أن أمره بالوضوء مما [ ص: 331 ] مست النار منسوخ ، وأشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة ، والبصرة ، ولم يقفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ ، أو لم يعرفوا منه غير الوجه الواحد ، فكانوا يوجبون الوضوء مما مست النار ، ويتوضئون من ذلك ، وممن روي عنه ذلك زيد بن ثابت ( وابن عمرو ) ، وأبو موسى ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وأم حبيبة أما المؤمنين ، واختلف فيه عن أبي طلحة الأنصاري ، وعن ابن عمر ، وأنس بن مالك ، وبه قال خارجة بن زيد بن ثابت ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وابنه عبد الملك ، ومحمد بن المنكدر ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب الزهري ، فهؤلاء كلهم مدنيون .

وقال به من أهل العراق أبو قلابة ، وأبو مخلد ، والحسن البصري ، ويحيى بن يعمر ، وهؤلاء كلهم بصريون .

[ ص: 332 ] وكان ابن شهاب رحمه الله قد عرف الوجهين جميعا في ذلك ، وروى الحديثين المتعارضين في هذا الباب ، وكان يذهب إلى أن قوله - صلى الله عليه وسلم - توضئوا مما غيرت النار ناسخ لفعله المذكور في حديث ابن عباس هذا ومثله ، وهذا مما غلط فيه الزهري مع سعة علمه ، وقد ناظره أصحابه في ذلك فقالوا : كيف يذهب الناسخ على أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وهم الخلفاء الراشدون فأجابهم بأن قال : أعيى الفقهاء أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه .

( حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا هارون بن معروف قال : حدثنا ضمرة ، عن رجاء بن أبي سلمة ، عن أبي رزين قال : سمعت الزهري يقول : أعيى الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه .

وروى أبو عاصم النبيل ، وهو الضحاك بن مخلد ، عن ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه زيد بن ثابت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : توضئوا مما غيرت النار ) .

وجاء عن أبي هريرة في هذا الباب نحو مذهب ابن شهاب ; لأن أبا هريرة ممن روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : توضئوا مما مست النار ، وروي عنه أيضا : أنه أكل كتف شاة فمضمض ، وغسل يديه ، وصلى ، فكان أبو هريرة يتوضأ مما مست النار ، فدل ذلك على أن مذهبه ، ومذهب ابن شهاب في ذلك [ ص: 333 ] سواء ، وأنه اعتقد أن الناسخ قوله - صلى الله عليه وسلم - : توضئوا مما مست النار فأما حديثه في الرخصة في ذلك ، فرواه سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة فمضمض ، وغسل يديه ، وصلى ، ذكره الأثرم قال : حدثنا عفان قال : حدثنا ، وهيب قال : حدثنا سهيل ، وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن محمد بن يوسف ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي هريرة : أنه كان يتوضأ مما مست النار .

وأخبرنا أحمد بن عبد الله ، وأحمد بن سعيد قالا : حدثنا مسلم بن القاسم قال : حدثنا أبو الحسن العباس بن محمد الجوهري ببغداد قال : حدثنا عمي القاسم بن محمد قال : حدثنا سعيد بن سليمان قال : حدثنا فليح بن سليمان قال : سألنا الزهري عن الوضوء مما غيرت النار ، فذكر فيه عن أبي هريرة ، وخارجة بن زيد ، وعمر بن عبد العزيز ، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن وغيرهم : أنهم كانوا يتوضئون مما غيرت النار ، فقلت له : إن هاهنا شيخا من قريش يقال له عبد الله بن محمد بن عقيل ، يحدث عن جابر بن عبد الله يقول : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل سعد بن الربيع ، فأتينا بخبز ولحم ، فأكل وأكلنا ، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم [ ص: 334 ] يتوضأ ، وأنه رجع مع أبي بكر في خلافته بعد المغرب ، فأتى أهله فابتغى عشاء ، فقيل : ما عندنا عشاء ، إلا أن هذه الشاة ولدت فاحتلب لنا من لبنها ، ثم طبخ فأكل ، وأكلنا فقال لي ما قال لك يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال لي : إذا جاءنا مال أعطيناك هكذا ، وهكذا ، وهكذا فحفن لي ثلاث حفنات ، ثم قمنا إلى الصلاة فصلينا ، ولم يمس أحد منا ماء .

وكان عمر بن الخطاب ربما صنع لنا في ولايتها الخبز واللحم ، فأكل وما يتوضأ أحد منا ، فقال الزهري : أهذا تريدون ؟ حدثني علي بن عبد الله بن عباس أن أباه أخبره : أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل عضوا وصلى ، ولم يتوضأ قال : وحدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، عن أبيه : أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل عضوا وصلى ، ولم يتوضأ فقلت للزهري : فما بعد هذا ؟ قال : إنه يكون الأمر ، ثم يكون بعده الأمر .

قال أبو عمر :

فهذا يدلك على أن ابن شهاب كان يذهب إلى أن الناسخ في هذا الباب أمره - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء مما مست النار ، وأظنه كان يقول : إن أمهات المؤمنين لا يخفى عليهن الآخر من فعله - صلى الله عليه وسلم - فبهذا استدل - والله أعلم - على [ ص: 335 ] أنه الناسخ ، وقد كان عنده في ذلك ما ذكره عبد الرزاق ، عن معمر ، وابن جريج ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سفيان بن المغيرة بن الأخنس : أنه دخل على أم حبيبة فسقته سويقا ، ثم قام يصلي ، فقالت : توضأ يا ابن أخي ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : توضئوا مما مست النار قال معمر : قال الزهري : وبلغني أن زيد بن ثابت ، وعائشة كانا يتوضآن مما مست النار .

قال أبو عمر :

وجاء عن عائشة رضي الله عنها مثل مذهب ابن شهاب في أن الناسخ أمره بالوضوء مما مست النار .

قرأت على خلف بن القاسم أن عبد الله بن جعفر بن الورد حدثهم قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قال : حدثنا عبد الله بن يوسف قال : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن عبد العزيز بن عمران ، عن ابن لعبد الرحمن بن عوف ، عن عائشة قالت : كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء [ ص: 336 ] مما مست النار ، فهذا كله يعضد مذهب ابن شهاب في هذا الباب .

ذكر ابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، وعبد الرزاق ، عن معمر ، جميعا ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه : أنه كان يتوضأ مما مست النار ، وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر مثله ، وعن ابن جريج قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر : كان لا يطعم طعاما مسته النار أو لم تمسه إلا توضأ ، وإن شرب سويقا توضأ .

قال أبو عمر :

كان ابن عمر يتوضأ لكل صلاة ، ( وقد روي عن ابن عمر ترك الوضوء مما مست النار ، ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، عن هشيم ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، وعن وكيع ، عن مسعر ، عن ابن عمر ، ورواية أهل المدينة عنه أصح ) ، وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أنها كانت تتوضأ مما مست النار ( وعن معمر ، عن الزهري : أن عمر ابن عبد العزيز كان يتوضأ مما مست النار ) حتى كان يتوضأ من السكر ، قال : عبد الرزاق ، وكان معمر والزهري يتوضآن مما مست النار ، وذكر ابن وهب ، عن يونس بن يزيد قال : قال لي ابن شهاب : أطعني ، وتوضأ مما غيرت النار ، فقلت : لا أطيعك ، وادع سعيد بن المسيب فسكت .

[ ص: 337 ] أخبرني أبو القاسم خلف بن القاسم الحافظ قال : حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن راشد بدمشق قال : حدثنا أبو زرعة قال : حدثني أبو الوليد بن عتبة ، عن أبي صالح ، عن الليث بن سعد ، عن يونس قال : قال لي ابن شهاب : أطعني ، وتوضأ مما مست النار قال : قلت لا أطيعك ، وادع سعيد بن المسيب .

وأخبرني خلف بن القاسم قال : حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال : حدثنا أبو زرعة قال : حدثنا علي بن عباس قال : حدثنا شعيب بن أبي حمزة قال : مشيت بين الزهري ، ومحمد بن المنكدر في الوضوء مما مست النار ، وكان الزهري يراه ، وابن المنكدر لا يراه ، واحتج الزهري بأحاديث ، فلم أزل أختلف بينهما حتى رجع ابن المنكدر إلى قول الزهري .

وأخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن النجار الفقيه ببغداد ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : كان معمر يتوضأ مما غيرت النار ، فقال له ابن جريج : أنت شهابي يا أبا عروة ؟ ( وقد روى عفان ، عن همام ، عن قتادة قال : قال لي سليمان بن هشام : إن هذا يعني الزهري لا يدعنا إن كان شيء ، أمرنا أن نتوضأ يعني مما مست النار ، فقلت له : سألت سعيد بن المسيب فقال : إذا أكلته فهو طيب ليس عليك فيه وضوء ، فإذا خرج وجب عليك فيه الوضوء .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن معبد قال : حدثنا محمد بن زيان قال : حدثنا زكرياء بن يحيى كاتب العمري قال : حدثنا الفضل بن فضالة ، عن عياش بن عباس [ ص: 338 ] القتباني أنه كتب إلى يحيى بن سعيد : هل يتوضأ مما مسته النار ؟ فكتب إليه : هذا مما يختلف فيه ، وقد بلغنا عن أبي بكر ، وعمر أنهما أكلا مما مست النار ، ثم صليا ، ولم يتوضآ ) ، وأما عمر بن عبد العزيز ، فإنه كان عنده في هذا الباب ما رواه معمر ، وابن جريج ، عن الزهري ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال : مررت بأبي هريرة ، وهو يتوضأ فقال : أتدري مم أتوضأ ؟ أتوضأ من أثوار أقط أكلتها ; لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : توضئوا مما مست النار ، ولعل عمر بن عبد العزيز لم يرو في هذا الباب غير هذا الحديث فذهب إليه ، ولعله كان وضوءه من ذلك ابتغاء الفضل ، وهروبا من الخلاف مع شدة احتياطه في الدين .

قال أبو عمر :

لقوة الاختلاف في هذه المسألة بالمدينة بين علمائها ، أشبع مالك رحمه الله في موطئه في هذا الباب ، وشده ، وقواه ، فذكر فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس ، وسويد بن النعمان ، وهما إسنادان صحيحان ، وذكر فيه عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الله بن عباس ، وعامر بن ربيعة ، وأبي طلحة الأنصاري ، وجابر بن عبد الله ، وأبي بن كعب ( أنهم كانوا لا يتوضئون مما مست النار ) .

[ ص: 339 ] وما ذكره مالك في موطئه ، عن أبي طلحة يدل على أن المنسوخ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء مما مست النار ; لأن أبا طلحة روى الأمر بالوضوء من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان لا يتوضأ ، فدل على أنه منسوخ عنده ; لأنه يستحيل أن يأخذ بالمنسوخ ، ويدع الناسخ وقد علمه .

ورواية أبي طلحة في ذلك ، ما حدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا حمزة بن محمد قال : حدثنا محمد بن علي بن القاسم البصري بالبصرة ، قال : حدثنا حاتم بن بكير بن بلال بن غيلان قال : حدثنا ( بشر بن عمر الزهراني ) قال : حدثنا همام ، عن مطر الوراق ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، عن أبي طلحة الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : توضئوا مما غيرت النار .

وحدثني خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا الحوضي أبو عمر حفص بن عمر قال : حدثنا همام قال : قيل لمطر ، وأنا عنده : عمن أخذ الحسن الوضوء مما غيرت النار ؟ فقال : أخذه الحسن ، عن أنس ، وأخذه أنس عن أبي طلحة ، وأخذه أبو طلحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 340 ] وهذا يحتمل أن يكون معناه ، ممن أخذ الحسن الحديث الذي كان يحدث به ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء مما غيرت النار ؟ فقال له : أخذه الحسن عن أنس ، وأخذه أنس عن أبي طلحة ، وأخذه أبو طلحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس في هذا ما يدل على أن أبا طلحة عمل به بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ( هذا على أن مطرا الوراق ليس ممن يحتج به ) ، ويعضد هذا التأويل ما ذكره مالك في موطئه ، عن موسى بن عقبة ، عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري ، عن أنس أن أبا طلحة ، وأبي بن كعب أنكرا عليه الوضوء مما غيرت النار ، فلو أن هذا الحديث عند أبي طلحة غير منسوخ ، لم ينكر ذلك على أنس - والله أعلم - .

وقد روى هذه القصة عن عبد الرحمن بن زيد جماعة من أهل المدينة .

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال : أخبرني أبي قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا بحر بن نصر قال : حدثنا بشر بن بكر قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني أسامة بن زيد الليثي قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد الأنصاري قال : حدثني أنس بن مالك قال : بينا أنا ، وأبو طلحة الأنصاري ، وأبي بن كعب أتينا بطعام سخن فأكلت ، ثم قمت فتوضأت ، فقال أحدهما لصاحبه : أعراقية ، ثم انتهراني ، فقلت : إنهما أفقه مني .

[ ص: 341 ] وذكر الطحاوي قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم قال : حدثنا يحيى بن أيوب قال : حدثنا إسماعيل بن رافع ، عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري ، عن أنس بن مالك قال : أكلت أنا ، وأبو طلحة ، وأبو أيوب الأنصاري طعاما قد مسته النار فقمت لأتوضأ فقالا لي : أتوضأ من الطيبات ؟ لقد جئت بها عراقية ، هكذا ذكر الطحاوي هذا الخبر بهذا الإسناد فقال فيه وأبو أيوب ، والمحفوظ من رواية الثقات ، وأبي بن كعب كما قال مالك ، والأوزاعي ، وأظن الوهم فيه من يحيى بن أيوب أو من إسماعيل بن رافع - والله أعلم - ( وقد روي عن أنس أنه لم يكن يتوضأ من الطعام مثل وضوئه للصلاة ، وذكر العقيلي قال : حدثنا أحمد بن محمد النوفلي قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : حدثنا الهيثم بن جبل قال : حدثنا غالب بن فرقد قال : صليت مع أنس بن مالك المغرب فلما انصرفنا دعا بمائدة فتعشى ، ثم دعا بوضوء فغسل يديه ، ومضمض فاه ، وغسل يديه ، وذراعيه ، ووجهه ، ثم جلسنا حتى حضرت العتمة ، فصلى بذلك الوضوء ، ولم يغسل رجليه ، فهذا يدل على أن ذلك لم يكن عنده حدثا ينقض الوضوء ) ، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك [ ص: 342 ] الوضوء مما مسته النار أم سلمة ، وميمونة ، وأبو سعيد الخدري ، وابن مسعود ، وضباعة ابنة الزبير ، وأبو رافع ، وجابر ، وعمرو بن أمية ، وأم عامر بنت يزيد بن السكن ، وكانت من المبايعات ، وابن عباس ، وسويد بن النعمان ، وكثير من رجال الصحابة ، كل هؤلاء رووه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وروي أيضا من حديث أبي هريرة ، وقد ذكرناه .

ومما يستبين به أن الأمر بالوضوء مما غيرت النار منسوخ : أن عبد الله بن عباس شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل لحما ، وخبزا ، وصلى ، ولم يتوضأ .

ومعلوم أن حفظ ابن عباس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متأخر .

[ ص: 343 ] أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعرق كتفا ، ثم قام فصلى ، ولم يتوضأ ، وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن أباه أخبره ، قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن ابن عباس قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة ، فجاء بلال فأذنه بالصلاة فخرج ، وخرجنا معه ، فاستقبلتنا هدية من خبز ، ولحم فرجع ، ورجعنا معه ، وأكل ، وأكلنا ، ثم خرجنا إلى الصلاة ، ولم يمس ماء .

وذكر حماد بن سلمة أيضا ، عن هشام بن عروة ، عن أبي نعيم وهب بن كيسان ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن ابن عباس نحوه ، وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن خالد قال : كان ابن عباس يوم الجمعة يبسط له في بيت خالته ميمونة فيحدث ، فقال له : أخبرني عما مست النار فقال ابن عباس : لا أخبرك إلا بما رأيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كان هو وأصحابه في بيته ، فجاءه المؤذن فقام إلى الصلاة ، حتى إذا كان بالباب لقي بصحفة فيها خبز ، ولحم [ ص: 344 ] فرجع بأصحابه فأكل ، وأكلوا ، ثم رجع إلى الصلاة ، ولم يتوضأ .

( أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا بكر بن محمد بن العلاء قال : حدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، عن حسين قال : حدثني أبو عون ، عن عبد الله بن شداد قال : قال أبو هريرة : الوضوء مما غيرت النار قال مروان : كيف نسأل عن هذا ؟ ، وفينا أمهاتنا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأرسلني إلى أم سلمة فقالت : جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد توضأ وضوءه للصلاة ، فناولته لحما فأكل ، ثم خرج إلى الصلاة . . . حدثنا عبد الله قال . . . قال : حدثنا مسدد ، عن جعفر بن محمد ، عن علي بن حسين ، عن زينب بنت أم سلمة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتفا ، فجاء بلال فخرج إلى الصلاة ، ولم يمس ماء ) .

يقولون : إن خال محمد بن إسحاق ، محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي ، ( فإن كان كذلك فبين محمد بن إسحاق ، وبين محمد بن عمرو بن عطاء العامري في هذا الحديث محمد [ ص: 345 ] بن عمرو بن حلحلة ، ولمحمد بن عمرو بن حلحلة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء أحاديث ) .

وذكر عبد الرزاق أيضا ، عن ابن جريج قال : أخبرني محمد بن يوسف أن سليمان بن يسار أخبره : أنه سمع أبا هريرة ورأى أبا هريرة يتوضأ ، ثم قال أبو هريرة : بني عباس ، أتدري بني عباس مم أتوضأ ؟ توضأت من أثوار أقط أكلتها ، فقال ابن عباس : ما أبالي مما توضأت ، أشهد لرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف لحم ، ثم قام إلى الصلاة ، وما توضأ .

وقد روى هذا الحديث ، عن ابن عباس عطاء بن يسار ، وسليمان بن يسار ، ومحمد بن عمرو بن عطاء ، وعمر بن عطاء بن أبي الخوار ، وابنه علي بن عبد الله بن عباس [ ص: 346 ] وعكرمة مولاه ، ومحمد بن سيرين ، وغيرهم إلا أن عكرمة ذكر في هذا الحديث لفظة زائدة .

حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد ، وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا ابن جامع قالا : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا ابن الأصبهاني قال : حدثنا شريك بن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل كتفا مهرية يعني نضجة ، ثم مسح يده ، ثم صلى هكذا جاء في هذا الحديث تفسير مهرية ، وهو أولى ما قيل في ذلك إن شاء الله ، وذكر أبو عبيد مؤربة بالهمز ، وفسرها أنها موفرة ، ثم قال : هو مأخوذ من الإرب يعني العضو .

فهذه طرق حديث ابن عباس أو بعضها ، وهو حديث قد رواه معه من تقدم ذكرنا له من وجوه صحاح كلها ، والحمد لله ، وقد قال جابر : إن الناسخ في هذا الباب ترك الوضوء مما مست النار ، وخالفته في ذلك عائشة اهـ .

أخبرنا خلف بن القاسم قال : حدثنا ابن أبي العقب بدمشق [ ص: 347 ] قال : حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال : حدثنا علي بن عياش قال : حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن المنكدر ( عن جابر بن عبد الله قال : كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما غيرت النار ، وقد ذكرنا حديث محمد بن المنكدر ) بما يجب القول فيه في كتابنا هذا في باب محمد بن المنكدر ; لأن مالكا أرسله عنه ، ووصله غيره ، وقد ذكرناه على شرطنا ، وبالله التوفيق ، فهذا وجه القول في هذا الباب من جهة الآثار .

وأما طريق النظر فإن الأصل أن لا ينتقض وضوء مجتمع عليه إلا بحديث مجتمع عليه ، أو بدليل من كتاب أو سنة لا معارض له .

( حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا هارون بن معروف قال : حدثنا ضمرة ، عن رجاء قال : سألت الوليد بن هشام [ ص: 348 ] عما غيرت النار ، فقال : إني لست بالذي أسأل - قلت - على ذلك ، قال : كان مكحول ، وكان أعظم فقها ، يتوضأ منه فلقي من أثبت له الحديث أنه ليس فيه وضوء فترك الوضوء ) .

( أخبرنا أحمد بن قاسم قال : حدثنا محمد بن عيسى قال : حدثنا بكر بن سهل قال : حدثنا عمرو بن هشام البيروتي قال : سمعت الأوزاعي يقول : سألت ابن شهاب عن الوضوء مما غيرت النار ، فقال لي : توضأ قلت : عمن ؟ قال : عن ابن عمر ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وزيد بن ثابت ، وأنس بن مالك ، وعائشة ، وأم سلمة ، قلت : فأبو بكر ؟ قال : لم يكن يتوضأ ، قلت : فعمر ؟ قال : لم يكن يتوضأ : قلت : فعثمان ؟ قال : لم يكن يتوضأ ، قلت : فعلي ، قال : لم يكن يتوضأ ، قلت : فابن عباس ؟ قال : لم يكن يتوضأ ، قال : فقلت له : أرأيت إن سألتك رجالا مثل رجالي ؟ فقال : إذا لأتيتك بهم ، حدثنا أبو الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، وأبو عثمان يعيش بن سعيد بن محمد الوراق الإمام ، وأبو عبد الله محمد بن حكم ، قالوا : أخبرنا أبو بكر محمد بن معاوية القرشي ، قال : حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن اليزيد بن أبي زياد ، عن مقسم قال : بينما نحن عند ابن عباس إذ أتي بجفنة فيها ثريد قال : خذوا باسم الله ، وكلوا من نواحيها ، وذروا الذروة فإن في الذروة البركة فأكلنا ، ثم دعا بماء فشربه ، ثم قام إلى الصلاة ، فقلت : يا ابن عباس إن الناس يقولون : أن فيما غيرت النار من الطعام الوضوء فقال : لولا النار ما أكلناه ، وما زادته النار إلا [ ص: 349 ] طيبا ، وإنما الوضوء فيما يخرج ، وليس فيم يدخل ، وصلى بنا على بساط ) .

وممن قال بإسقاط الوضوء مما مست النار : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ( وعبد الله بن مسعود ) ، وعبد الله بن عباس ، وعامر بن ربيعة ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وأبو أمامة ، وقال بذلك من فقهاء الأمصار : مالك فيمن قال بقوله من أهل المدينة ، وغيرهم ، وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن حي ، وسائر أهل الكوفة ، والأوزاعي في أهل الشام ( والليث بن سعد ) ، والشافعي ، ومن اتبعه ، وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد ، وداود بن علي ، ومحمد بن جرير الطبري ، وجماعة أهل الأثر ، إلا أن أحمد بن حنبل ، وطائفة من أهل الحديث يقولون : من أكل لحم الجزور خاصة فقد وجب عليه الوضوء ، وليس ذلك عليه في شيء مسته النار غير لحم الجزور .

وقال أحمد : فيه حديثان صحيحان حديث البراء ، وحديث جابر بن سمرة ، يعني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وكذلك قال إسحاق بن راهويه ، ذكره الأثرم ، عن أحمد ، وذكره إسحاق بن منصور ، والكوسج ، عن إسحاق .

[ ص: 350 ] قال أبو عمر

حديث البراء : حدثناه سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله الرازي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء من لحوم الإبل فقال : توضئوا منها .

وحديث جابر بن سمرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) . ( رواه أبو عوانة ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب ، عن جعفر بن أبي ثور ، عن جابر بن سمرة : أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : إن شئت فتوضأ ، وإن شئت فلا تتوضأ قال : أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم توضأ من لحوم الإبل ، رواه شعبة ، وزائدة ، عن سماك [ ص: 351 ] بن حرب ، عن جعفر بن أبي ثور ، عن جابر بن سمرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ، ( وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثنا شيبان بن عبد الله بن شيبان قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سابق الحضرمي قال : حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى قال : حدثنا ابن أبي ليلى ، عن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن جابر بن سمرة : أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم ، قال : أصلي في مباركها ؟ قال : لا ، قال : أتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : لا ، قال : أصلي في مرابضها ؟ قال : نعم ) .

وممن قال بقول أحمد هذا في لحم الإبل خاصة : إسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وأبو خيثمة ، وهو قول محمد بن إسحاق ، وأما قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، فكلهم لا يرون في شيء مسته النار وضوءا على من أكله ، سواء عندهم لحم الإبل في ذلك وغير الإبل ; لأن في الأحاديث الثابتة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل خبزا ، ولحما ، وأكل كتفا ، ونحو هذا كثير ( ولم يخص لحم جزور من غيره ) ، وصلى ولم يتوضأ ، وهذا ( ناسخ رافع ) عندهم لما عارضه على ما تقدم ذكرنا له ، وبالله التوفيق .

[ ص: 352 ] قال أبو عمر

قد تأول بعض الناس في هذا الحديث أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : توضئوا مما مست النار أنه أريد به غسل اليد ، قال : فلما سمع أبو هريرة قوله هذا ، ورآه - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ لكل صلاة ، ظن أن ذلك أريد به الوضوء للصلاة .

قال أبو عمر

هذا ليس بشيء ، وقد تقدم رد هذا القول ، ودفع هذا التأويل ، وقد اجتنبنا في هذا الباب ما تبين به جهل هذا المتكلف في تأويله هذا ، وبالله التوفيق اهـ .

حدثني أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري قال : حدثنا أحمد بن عمير قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا عقبة بن علقمة قال : حدثنا الأوزاعي قال : كان مكحول يتوضأ مما مست النار ، حتى لقي عطاء بن أبي رباح فأخبره عن جابر بن عبد [ ص: 353 ] الله أن أبا بكر الصديق أكل ذراعا أو كتفا ، ثم صلى ، ولم يتوضأ ، فترك الوضوء ، فقيل له : أتركت الوضوء مما مست النار ؟ فقال : لئن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ( وذكر الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا عارم ، وسليمان بن حرب قالا : حدثنا حماد بن زيد قال : سمعت أيوب يقول لعثمان البتي : ( إذا سمعت أمرا ) عن النبي عليه السلام ، أو بلغك ، فانظر ما كان عليه أبو بكر ، وعمر فشد به يديك .

قال : وحدثنا عارم قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن خالد الحذاء قال : كانوا يرون الناسخ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان عليه أبو بكر ، وعمر رضي الله عنهما . قال حماد : وكان رأي خالد أحب إلينا من حديثه قال : وحدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد قال : كان أبو بكر ، وعمر أتبع الناس لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .

( وروى محمد بن الحسن ، عن مالك بن أنس أنه قال : إذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان مختلفان ، وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين ، وتركا الآخر ، كان في ذلك دلالة أن الحق فيما عملا به ) .

[ ص: 354 ] وقد روى عكراش بن ذؤيب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صفة الوضوء مما غيرت النار ، ولم أر لذكره معنى ; لأن إسناده ضعيف لا يحتج بمثله ، وأهل العلم ينكرونه .




الخدمات العلمية