الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
{ وسأله صلى الله عليه وسلم سلمة بن صخر البياضي فقال : ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان ; فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء ، فلم ألبث أن نزوت [ ص: 269 ] عليها ، فقال أنت بذاك يا سلمة فقلت : أنا بذاك فأنا صابر لأمر الله عز وجل ، فاحكم في بما أراك الله ، قال حرر رقبة قلت : والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها ، وضربت صفحة رقبتي ، قال فصم شهرين متتابعين فقلت : وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام ؟ قال فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قلت : والذي بعثك بالحق نبيا لقد بتنا وحشيين ما لنا من طعام ، قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك ، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر ، وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي ، فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي ، وأمر لي بصدقتكم } ذكره أحمد .

{ وسألته صلى الله عليه وسلم خولة بنت مالك ، فقالت : إن زوجها أوس بن الصامت ظاهر منها ، وشكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلها فيه بقوله اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } الآيات ، فقال يعتق رقبة قالت : لا يجد ، قال ، فيصوم شهرين متتابعين قالت : إنه شيخ كبير ما به من صيام ، قال فليطعم ستين مسكينا قالت : ما عنده من شيء يتصدق به ، فأتى ساعته بعرق من تمر ، قلت : يا رسول الله إني أعينه بعرق آخر ، قال أحسنت ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا ، وارجعي إلى ابن عمك } ذكره أحمد وأبو داود ، ولفظ أحمد { : قالت في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة ، قالت : كنت عنده ، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وضجر ، قالت : فدخل علي يوما ، فراجعته بشيء ، فغضب فقال : أنت علي كظهر أمي ، ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي ، فإذا هو يريدني عن نفسي ، قالت : قلت : كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكم ، قالت : فواثبني ، فامتنعت منه ، فغلبته بما تغلب المرأة الشيخ الضعيف ، فألقيته عني ، ثم خرجت إلى بعض جاراتي ، فاستعرت منها ثيابها ، ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست بين يديه ، فذكرت له ما لقيت منه ، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ; يا خويلة ابن عمك شيخ كبير ، فاتقي الله فيه ، قالت : فوالله ما برحت حتى نزل القرآن ، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سري عنه ، فقال : يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك ، ثم قرأ علي : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } إلى قوله : { وللكافرين عذاب أليم } قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مريه فليعتق رقبة } وذكر نحو ما تقدم ، وعند ابن ماجه { أنها قالت : يا رسول الله أكل [ ص: 270 ] شبابي ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ، فما برحت حتى نزل جبرائيل عليه السلام بهؤلاء الآيات } .

التالي السابق


الخدمات العلمية