الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف من الموت وأرى أن حياتي ليس لها قيمة

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة أخاف من كل شيء، وأتوقع حدوث أي شيء غير جيد، لدي وسوسة، لو لبست لبساً معيناً سيحصل كذا، لو شربت من الكوب سيحصل كذا، أخاف من الموت كثيراً، وأكره سيرته، أخاف أن أجلس لوحدي، ليس عندي ثقة بنفسي، أشعر بتأنيب الضمير على أصغر شيء، أخاف من كل شيء، أكره الوحدة، أكره الذكريات وأخاف منها، أرى أي شيء أقوم به تافهاً وليس له قيمة، وأحس أنني لم أصنع شيئاً، فيني اكتئاب حاد، تأتيني نوبات فأبكي بدون سبب، وأخاف وأبكي على أشياء لم تحصل، أخاف من الوداع، كل شيء ممل بحياتي، أنعزل كثيراً، ولا أحب أن أجلس مع أهلي، بعض الأحيان أرى الناس أحسن مني، أخاف من الظلام، أخاف أن أفقد أحداً، أحس أنه ليس لي قيمة وليس لي هدف، أعتمد كثيراً على غيري ... ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نون حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن أعراضك متعددة، فيها الجانب النفسي والجانب الاجتماعي والجانب السلوكي، وحصيلة هذه الأعراض والمشاعر المختلفة التي أوردتها نقول أنها تشير أنك تعانين في الغالب مما يعرف بقلق المخاوف الوسواسية، هنالك قلق، هنالك وساوس، وهنالك مخاوف، وهذه دائمًا تجدها متداخلة مع بعضها البعض، وهي تمثل منظومة مرضية واحدة وليست حالات متعددةـ وبالنسبة للاكتئاب: لا أعتقد أنه لديك اكتئاب حقيقي، هذه مجرد مشاعر سلبية ناتجة كإفراز ثانوي لوجود القلق والخوف والوساوس.

أيتها الفاضلة الكريمة: الشيء المثالي هو أن تذهبي وتقابلي الطبيب النفسي إن كان ذلك ممكنًا، وفي جميع الحالات – أي إن استطعت أن تذهبي إلى الطبيب النفسي أو لم تستطيعي – فعليك أن تكوني إيجابية في تفكيرك، والوساوس والمخاوف تعالج عن طريق مواجهتها وتحقيرها، وفعل ما هو مخالف لها، وهذا يكون بالتدريج، لكن لا تكون المساومة مع النفس هي المنهج، بعض الناس يترددون ويؤجلون الأمور ويكون لهم تبريرات سالبة، هذا يجعل الأعراض تستمر.

مثلاً في موضوع الخوف التشاؤمي الذي لديك: هذا يجب أن تغلقي أمامه التفكير تمامًا، بأن تعرفي أن الأمر كله بيد الله، وأن التطير والتشاؤم ليس شيئًا طيبًا، وأن بعض الأشياء حتى لو حدثت وصادف أن وقعتْ فهذا ليس هو الشيء الطبيعي أو الدائم دائمًا، والأمر كله بيد الله، هذه يجب أن تكون لك قناعات بها، وهذا التفكير سوف يساعدك كثيرًا.

موضوع الخوف من الموت (مثلاً): الخوف من الموت خوف مبرر، كل الناس تخاف من الموت، لكن أيضًا يجب أن يُنظر إلى الموت على أنه شيء إيجابي، وهو حتمًا واقع، وهو حقيقة ثابتة، البعض يقول أنها الحقيقة الوحيدة في حياة الإنسان، والنظرة الإيجابية للموت تكون من خلال التفكير في أن الموت هو المحرك للإنسان من أجل أن يعمل، من أجل يَعبد، من أجل أن يجتهد، والحياة إذا كانت دائمة سوف تكون رتيبة، تكون ليست محفزة، إذن حتى الخوف من الموت يمكن أن يحول إلى شعور إيجابي جدًّا من خلال التفكير الإيجابي، فكوني على هذا النهج أيتها الفاضلة الكريمة.

المطلوب منك أيضًا أن تتذكري الإيجابيات التي لديك، الحمد لله أنت صغيرة في السن، فتاة مسلمة، لا شك أن أسرتك طيبة، فهذه إيجابيات عظيمة يفتقدها الكثير من الناس، وحتى تخرجي نفسك من حالة الملل والتشاؤم هذه يجب أن تجعلي لحياتك معنى وأهدافا، وأن ترتبي الوقت بصورة طيبة، لا تتركي للفراغ مجالاً ليسيطر عليك ويجعلك تشعرين بالإحباط، هنالك أشياء كثيرة يمكن للإنسان أن يقوم بها، والواجبات أكثر من الأوقات، وأن تقضي وقتا في الاطلاع، في القراءة، في التواصل الاجتماعي، الذهاب إلى أماكن تحفيظ القرآن، المساعدة الفعلية في إدارة شؤون المنزل، في التواصل مع الصديقات، مشاهدة البرامج التليفزيونية الجيدة، هذا كله إيجابي جدًّا ويجعل الإنسان يحس بالفعل بقيمته، وفي نفس الوقت يصرف الانتباه عن كل السلبيات.

أنت محتاجة أيضًا لأن تكوني منتظمة في قراءة الأذكار، (الخوف من الأشياء، الخوف من الظلام، الخوف من الموت) هذه - إن شاء الله تعالى – تحجّم هذه المخاوف من خلال الحرص على الأذكار، أذكار الصباح والمساء، والتأمل والتدبر فيها.

أيتها الفاضلة الكريمة: العلاج الدوائي أيضًا مطلوب، وإن شاء الله تعالى توجد أدوية مفيدة جدًّا، وأنا كما ذكرتُ لك: إن ذهبتِ إلى الطبيب فهذا هو الوضع الصحيح، وإن لم تذهبي فحاولي بعد التشاور مع أهلك أن تتناولي دواء يعرف تجاريًا باسم (سبرالكس) ويعرف علميًا باسم (إستالوبرام) هو دواء ممتاز وفعال وجيد وسليم وغير إدماني، ولا يؤثر أبدًا على الهرمونات النسوية.

جرعة السبرالكس المطلوبة في حالتك تعتبر صغيرة، وهي أن يتم تناوله بجرعة نصف حبة – أي خمسة مليجرام من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام – استمري عليها لمدة شهر، بعد ذلك يتم تناول الدواء بجرعة حبة واحدة – أي عشرة مليجرام – يتم تناولها ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً