الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رغم تفوقي في الصغر، لم أنجز شيئاً في الكبر.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...


أنا فتاة عمري 25 سنة، أنهيت دراستي من المرحلة الثانوية ولم أستطع أن أكمل دراستي الجامعية لأسباب مادية وأسباب أخرى.

عندما كنت في المرحلة الابتدائية كنت فتاة متفوقة ونشيطة وجريئة، وهبني ربي صوتاً جميلاً في قراءة القرآن، فكنت موجودة دائماً في الإذاعة المدرسية أتلو القرآن، وكنت حينها محبوبة من جميع طالبات المدرسة ومعلماتها، ومعروفة بينهم لكثرة ظهوري في الإذاعة المدرسية.

شعرت مرة وأنا أقرأ بخوف شديد، حتى أصبحت يديّ ترتجف لدرجة أن القرآن والمايكروفون كانا سيسقطان من يديّ، كانت هذه أخر مرة أشارك في الإذاعة، بعدها أصبحت أرفض المشاركة، إلى أن انتقلت للمرحلة المتوسطة، أصبح كل من يراني يتعجب لم أصبحت هكذا! لم تغيرت، قد كنت مختلفة تماماً، واستمرت حالتي حتى تخرجت من المرحلة الثانوية، أصبحت انطوائية لا أشارك الناس أفراحهم وأحزانهم، لدرجة أنني أستمر بالأشهر وأنا لم أخرج من المنزل، أصبحت خجولة جداً، لدرجة أنني أرتجف إن خالطت أناساً غرباء، دائماً أفضل أن أبقى وحيدة، وأبعد كل من يحاول الاقتراب مني، لا أبتسم، دائماً ما أجد وجهي عابسا، ليس لدي رغبة في فعل أي شيء، وأصبح وزني زائدا جداً، لا أعلم ما السبب؟

حاولت أن أتغير ولكن لم أستطع، ابتعدت عن صديقاتي، مع العلم بأنهن يحاولن التواصل معي لكنني أتهرب منهن، كثيراً ما أرغب في البكاء، أنا أكتب الرسالة وعيناي ممتلئتان بالدموع، أشعر بأن سنوات عمري رحلت سريعا دون أن أفعل شيئاً في حياتي، أشعر بأن لا فائدة من وجودي، حاولت أن أكمل دراستي ولكن دائماً الظروف ضدي، لا أحد يشعر بي، دائما إخوتي يصفونني بالسلبية، حتى أنني أجيد الرسم وكتابة الشعر، لا أحد يبدي إعجابه أو اهتمامه بما أفعل، لا أحد يشجعني، وحين أنشر رسوماتي أو أشعاري على مواقع التواصل الاجتماعي، أتعجب من تعليقاتهم واهتمامهم، كم أتمنى لو كان هذا الاهتمام وهذه المحبة من عائلتي، لا يثقون بقدراتي، حتى أن أبي قد قال لي جملة أحملها في صدري من حينها، لأنها آلمتني جدًا، قال لي: أنا أعلم حتى لو أكملت دراستك لا فائدة من ذلك ولا فائدة منك.

أحيانا أتمنى لو أذهب لطبيب نفسي حتى أتحدث معه ويسمعني، أتمنى أن تساعدوني، خائفة أن تستمر حياتي على هذا النحو، خائفة أن أرحل وأنا لم أنجز شيئا في حياتي، خائفة أن أظل وحيدة.

الإجابــة

سم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مخاوفك مقدرة جدًّا، وأعتقد أن الشيء الأساسي هو خوفك من الفشل، وهذا كله ناتج من سيطرة المزاج التشاؤمي عليك، ويظهر أنك حساسة جدًّا، وهذه الحساسية في الشخصية هي التي جعلتك تتفاعلين وتنفعلين سلبيًا خاصة على النطاق الاجتماعي، يجب أن تقدري مقدراتك فهي -إن شاء الله تعالى- ممتازة، ويجب أن تكوني معبرة عن ذاتك، ويجب ألا تفرضي هذا الحصار النفسي والوجداني والجغرافي على نفسك، أنت لست أقل من الآخرين، على العكس تمامًا، أنت قادرة ومقتدرة، وإن لم يأتك تحفيز من جانب الآخرين هذا بالطبع يحبط الإنسان، لكن يجب ألا يسبب لك الامتعاض، وأفضل تحفيز هو التحفيز الداخلي، أن تُدركي نفسك ومقدراتها وتتفهميها وتتعاملين مع ذاتك بصورة إيجابية، هذا يساعدك كثيرًا.

وفي ذات الوقت حاولي أن تفهمي مشاعر الآخرين، إخوتك وغيرهم، وتعاملي معهم على هذا الأساس، سيكون من الجميل أن تطلعي على بعض المؤلفات في الذكاء العاطفي، هذا من العلوم السلوكية النفسية المستحدثة، وهو من خلاله يستطيع الإنسان أن يُدرك ذاته، ويفهمها بصورة أفضل، ويتعامل معها بإيجابية، وكذلك يفهم مشاعر الآخرين ويتفهمها ويتعامل معهم أيضًا إيجابيًا، كتب كثيرة، من أفضلها، كتاب الدكتور دانييل جولمان (الذكاء العاطفي)، وهنالك أيضًا كتاب يسمى (الذكاء العاطفي 2) من الكتب الممتازة والجميلة.

التعامل مع الوالد والإخوة يجب أن نكون حصفين فيه، ويجب أن نجد لهم العذر حتى إذا كانت تعليقاتهم سلبية، وهذا في حد ذاته يجب أن يحفزك لأن تكوني عضوًا فعّالاً في أسرتك، أن تفرضي وجودك، وأن تجدي لهم العذر في تعليقاتهم غير المرضية لك.

ذهابك إلى الطبيب النفسي قطعًا سيكون أمرًا جيدًا، زيارة أو زيارتين ستكون كافية جدًّا، والطبيب سوف يعطيك التوجيهات والإرشاد على نفس الأسس التي ذكرناها لك، وهي: أن تحولي فكرك من فكر سلبي إلى فكر إيجابي، وأن تثقي في مقدراتك، وألا تحاصري نفسك، حين تذهبين إلى الطبيب النفسي قطعًا سيكتب لك أحد الأدوية، وأعتقد أن عقار (باروكستين)، والذي يسمى تجاريًا (زيروكسات)، سيكون دواءً ممتازًا جدًّا بالنسبة لك، لأنه محسِّن فعّال للمزاج، وهو مزيل للمخاوف والقلق والتوترات، فأرجو أن تذهبي إلى الطبيب، وخذي ما ذكرته لك.

ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً