الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي رفض ابن عمي لأنه لا يحب المتدينين، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم

أنا طالبة بعمر 24 عاماً، أعيش مع أهلي في بلد أجنبي منذ وقت طويل، وأدرس طب الأسنان، وتعرفت قبل أربع سنوات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي إلى ابن عمي، نظراً لكوني أقيم في الغربة منذ الطفولة، وهو شاب محترم وملتزم دينياً، وخريج جامعي ويعمل كضابط أمن في بلدي الأم.

تقدم لخطبتي مرتين، لكنه قوبل بالرفض من قبل والدي، والأسباب غير تقليدية، فالسبب الأول هو تأثر والدي بثقافات المجتمعات الأجنبية، وابتعاده عن الدين، لذلك هو رافض ارتباطي بشخص ملتزم دينياً، ويفضل الشخص المتحدث المنفتح على حد قوله، علماً أني أنا أيضاً ملتزمة دينياً.

السبب الثاني: هو تقدم ابن عم آخر لي ورفضي له عدة مرات، أصبح عمي (والد الشاب الذي رفضته) يكرهني، ويقنع والدي أن الذي أرغب بالزواج منه شاب سيئ، ولا يتواصل مع والده الذي تركهم وهاجر منذ سنين، ونظراً لتواصلي مع ابن عمي؛ فأنا أعرف أن هذا الكلام غير صحيح، وأن نية عمي تشويه سمعته فقط.

حالياً يرغب الشاب بالتقدم لي للمرة الثالثة عن طريق جدتي والدة أمي، لأن لها تأثيراً كبيراً على والدي، على أمل أنها تستطيع إقناعه بعدم صحة كلام عمي، وأن الشاب لا يستحق أن يرفض من قبله.

أنا مترددة جداً بهذه الخطوة، وأخشى أن يرفضه والدي للمرة الثالثة، وأنتم تعلمون أنه ليس من الهين على شاب أن يرفض مرات عديدة بدون سبب مقنع.

هل الخطوة صحيحة، ونستطيع أن نتوكل على الله ونتقدم للأمام، أم علينا أن نصبر قليلاً ونتأنى قبل الخطوة التالية؟ علماً أن آخر مرة تقدم فيها الشاب لي كانت قبل سنتين.

أتمنى المساعدة بتقديم النصيحة، ففي بلاد الغربة لا يوجد أهل وأقارب للاستعانة بهم.

وشكراً جزيلاً مقدماً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختنا الكريمة- في موقع إسلام ويب، ورداً على استشارتك أقول:

لا بد أن يكون لأمك دور في هذا الموضوع، فهي أقرب الناس إلى قلب والدك، أقنعي أقرب الناس إليك بعد والدتك من إخوانك أو أخواتك، وهو يقنع أقرب الناس إليه حتى تقنعوا جميع أفراد الأسرة، بما فيهم جدتك أم والدتك والتي يحترمها والدك ويقبل توجيهها. فإذا شكلتم رأيًا موحدًا فليطلب أقرب الناس إليه جلسة ويتم الحوار في قضيتك، كي يقنع والدك بأن الموافقة على شخص ما أنه قرارك ومصيرك أنت شرعاً وعرفاً، فإن اقتنع والدك بهذا فليتقدم ابن عمك لخطبتك، وإن لم يحصل ذلك فلا تجعلوه يقف في موقف محرج وجارح له.

قبل أن يتقدم ابن عمك أو أي شخص آخر صلي صلاة الاستخارة، وادعي بالدعاء المأثور، ثم توكلي على الله، فإن سارت الأمور بيسر وسهولة فهذا يعني أن الله اختاره ليكون زوجاً لك، وإن تعسرت فذلك دليل أن الله قد صرفه عنك.

اطلبي من ابن عمك عبر رسالة نصية أن يخبر والده بالتواصل مع والدك، من باب صلة الرحم، وكذلك ابن عمك، ولا يتكلمون معه بخصوص الزواج، وأحيوا التواصل بين أفراد عائلتكم من هذا الباب.

كوني على يقين أن الزواج رزق من الله تعالى، يسير وفق قضاء الله وقدره، ولا يستطيع أي شخص أن يتحكم فيه، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب، قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

من كان من نصيبك فستتزوجين به ولو وقفت الدنيا كلها في وجهك، ومن ليس من نصيبك فلن تتمكني من الزواج به ولو أنفقت كنوز الدنيا، قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام جفت الصحف).

قد يحب الإنسان شيئاً وفيه شر له، وقد يكره شيئاً وفيه خير له، فيأتي الله له بما فيه الخير، ويصرف عنه ما فيه الشر، والسبب أن الله يعلم الغيب والإنسان لا يعلمه، قال تعالى: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تعلمون).

إياك أن تبني علاقة غرامية مع ابن عمك، فذلك أمر محرم، ولا تعلقي نفسك بشخص محدد قبل أن يتم كتابة العقد وتصبحي زوجة، لأن تعليق القلب بشخص ما إن لم يتحقق الارتباط به له عواقب سيئة، منها الإصابة بالحزن والاكتئاب.

اقتربي من والدك أكثر، وتفنني في خدمته، ونالي رضاه، وتملقي له بالكلمات التي تلين قلبه، ولن تعدمي من أسلوب تصلين به إلى شغاف قلبه، وفي الأول والأخير هو والد يحب مصلحتك، ويسعى من أجل راحتك، وسيلين الله قلبه.

عليك بالتضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت في حال سجود لذي الجلال والإكرام، واستغلي أوقات الإجابة، ومنها الثلث الأخير من الليل، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، وسلي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك، وأن يلين قلب والدك ويختار لك ما فيه الخير.

نسأل الله تعالى أن يعطيك من الخير ما تتمنين، وأن يصرف عنك كل مكروه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً