الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أكفر عن ذنوبي التي وقعت فيها قبل توبتي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.

فإن الذي قد غفر لرجل قتل 100 نفس، فهو أيضًا يغفر لمن ارتكب كذا وكذا من المعاصي، إذا تاب توبة صادقة نصوحًا وافية الشروط.

أخي في الله، حكايتي كالتالي:
لقد بلغت وأنا في سن 12 سنة، وحفظت القرآن في ذات العمر، وأنا الآن عمري 18 سنة، ولكن لم ألتزم في حياتي قط منذ بلوغي، فكنت أصلي تظاهرًا بدون وضوء، وأتظاهر بالصوم وأفطر خفاءً، وكان الناس يجعلونني إمامًا عليهم متأملين في الخير والبركة، وأنا أصلي بهم بدون وضوء، ومع مرور الوقت انحرفت أكثر وأكثر إلى أن بلغت شق الهاوية، والسبب في ذلك كله يعود إلى العديد من الأسباب المختلفة، والتي لا داعي لذكرها؛ لأنه هذا ليس مقامها، ولكن ولله الحمد والمنة بعد 6 سنوات من ذنوب متراكمة وعصيان وعدم اجتناب للنواهي، فإني قد تبت من كل هذه الذنوب وعدت إلى بارئي وخالقي.

إنني على علم بأني قد خرجت من الملة بذنوبي هذه، وأنني خنت أمانة المسلمين وإلخ...، ولكن الذي قد غفر لرجل قتل 100 نفس، فهو أيضًا يغفر لمن ارتكب كذا وكذا من المعاصي إذا تاب توبة صادقة نصوحًا وافية الشروط.

سؤالي هو: كيف أستطيع أن أكفر عن ذنوبي التي ارتكبتها قبل توبتي؟ مع الإشارة إلى أن الذنوب التي أسأل عن كفارتها هي الذنوب التي ذكرتها آنفًا، أما بقية ما ارتكبت يداي فلقد علمت كفارتها.

وجزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على تواصلك معنا، ونسأل الله أن يثبتك على الحق، وأما الجواب على ما ذكرت، فالإنسان بطبعه قد يغفل، ويستزله الشيطان الرجيم للوقوع في ما حرم الله تعالى، ولقد أحسنت بأن سارعت إلى التوبة والاستغفار، وهذا هو الواجب علينا كلما أذنبنا نسارع إلى التوبة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم: 4515.

واعلم أن من تاب إلى الله، وكان صادقًا في توبته، وندم على ما كان من الإثم، وعزم أن لا يعود إلى ذنبه، فقد تقبل الله توبته فيما مضى، ومحا عنه ذنبه، ولا يؤاخذ به بإذن الله تعالى، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإذا عدت إلى الذنب فتب مرة أخرى، وهكذا؛ فالله غفور رحيم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( قال تعالى" إن عبدًا أصاب ذنبًا، وربما قال: أذنب ذنبًا ، فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبًا، أو أذنب ذنبًا، فقال : رب أذنبت - أو أصبت - آخر فاغفره؟ فقال: أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا، وربما قال: أصاب ذنبًا، قال: قال: رب أصبت - أو قال: أذنبت - آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي (ثلاثًا)، فليعمل ما شاء) رواه البخاري برقم: 7507.

واعلم يقينًا أن الله يقبل من جاء إليه تائبًا، وعفو الله أعظم من كل ذنوب الإنسان مهما كانت وكثرت، قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر : 53]. فلا تقنط من رحمة الله، فإن الله يقبل من جاء إليه تائبًا، مصلحًا من حاله، قال تعالى: {والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}، وكما ذكرت من حديث قاتل المائة، فإن الله غفر له ما قد أسرف في القتل، فمن باب أولى أن يغفر الله لمن هو دونه.

كما نرجو منك أن لا تذكر ما فعلت من الذنوب لأحد من الناس، بل يجب عليك أن تستر نفسك، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله، فأمره إلى الله: إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه) رواه البخاري برقم 7213.

وسبب آخر للستر: حتى لا تُهوِّن المنكر لدى من يسمع فيقول بما أنك فعلت ذلك ثم وفقك الله للتوبة، فيمكن أن يفعل فعلك ثم يتوب؛ فلعله لا يوفق للتوبة مثلك! فبذكرك لما فعلت قد تكون سببًا لإضلال غيرك.

ثم اعلم أن الذنوب التي ذكرتها في الاستشارة ليس لها كفارة في ما أعلم، إنما الذي عليك هو التوبة النصوح، وكثرة ذكر الله والاستغفار، والصدقة، ولا تستخف بالذنوب، بل عليك أن تعظم الله وتراقبها، وتترك معصيته، حتى يثبتك الله على الحق ويمحو عنك ما سبق، ثم لا تعود إليها مرة أخرى.

كان الله في عونك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً