الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن في يوم من الأيام أن تتحقق أمنيتي وأصبح كاتبا؟

السؤال

أنا شاب أبلغ من العمر 28 سنة أمضيت وقتا طويلا في الدراسة، لكن في النهاية لم أجد عملا مناسبا، بل للأسف الشديد وجدت نفسي لا أجيد أي عمل تقريبا، فكلما عملت عملا إلا وتعرضت للانتقاد الشديد، لأنني أرتكب أخطاء كارثية، ولا أستطيع التواصل مع الآخرين، لذلك كرهت العمل، والشيء الذي أعتبر نفسي أجيده هو الكتابة في المواضيع العلمية، فأمنيتي كانت ولا زالت هي أن أصبح كاتبا، أعمل على كتاب منذ عامين، رغم أني متخوف من فشل هذا المشروع أيضا، من الناحية العاطفية لدي رغبة كبيرة في الزواج و لكن الظروف التي أعيشها لا تساعدني أبدا.

كما أريدكم أن تتعرفوا أيضا على جانب من شخصيتي، فلقد جمعت بين المتناقضات، فأنا -والحمد لله- شاب أحافظ على صلواتي أؤديها بفضل الله تعالى في المسجد، ولا أضيعها مهما كان الأمر، أقوم الليل أحيانا، أداوم على قراءة القرآن الكريم بتدبر، لكن في الآن ذاته أستمع للأغاني، وأشاهد الأفلام، وليس لي علاقة بالنساء، لكن قد أتحدث معهن في مواقع التواصل الاجتماعي، فهل هذا التناقض الذي أعيشه شيء عادي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أخي الكريم وردا على استشارتك أقول: أي عمل يريد أن يتخصص فيه الشخص لابد أن تحدث عنده أخطاء في بداية الأمر، فهذا شيء طبيعي، فالإنسان لم يولد عالما ولكنه يتعلم شيئا فشيئا.

عليك أن تبحث عن عمل في مجال تخصصك، فإن لم تجد فاتجه نحو العمل الحر الذي يعطيك مساحة من الحرية في الاختيار والانتقال إلى غيره في حال الإخفاق، فقد لا يكون رزق الإنسان فيما درسه وتخصص فيه، لأن الله قدر له ذلك، ومن رحمة الله سبحانه بعباده أنه لم يضيق عليهم، وطالبهم بعمل السبب لنيل الرزق فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).

ابتعد عن الذنوب والمعاصي جميعها ومنها الاستماع للأغاني فإن الذنوب من أسباب الحرمان من الرزق كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) وعليك بالأسباب الجالبة للزق ومنها:
- تقوى الله، يقول سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
- كثرة الاستغفار: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).
- المحافظة على أداء الصلاة في جماعة: قال العلامة ابن القيم: (الصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للأدواء مقوية للقلب مبيضة للوجه مفرحة للنفس مذهبة للكسل).
- صلة الأرحام: فهي من أهم أسباب زيادة الرزق والبركة في المال، لقول النبي -صلى اله عليه وسلم-: (مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه).
- الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فقد قال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) ومن الهموم هم الرزق.
- أن تكون شاكرا لله تعالى على سبيل الدوام: فالشكر الدائم يزيد الأرزاق ويفتح الأبواب المغلقة لقوله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

كذلك الهجرة من أجل طلب الرزق، فمن الناس من خرج من بلده بعد ضيق في العيش، ففتح الله عليه أبواب الرزق يقول تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) وإن كان من أهل التفسير من قال إن المقصود بالهجرة هنا الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، لكن العبرة بعموم لفظ الآية، وكذلك السعي في مناكب الأرض وعدم البقاء في نفس المنطقة قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) وكن مقداما ولا تتردد، فإن التردد مفسد كما قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ** فإن فساد الرأي أن تترددا

وقبل أن تقدم على أي عمل لابد من دراسة جدواه، فذلك من العمل بالأسباب، ومشروع الكتاب الذي تعمل فيه لابد من مشاورة أهل الاختصاص عن مدى جدواه وفائدته، والأخذ بعين الاعتبار بنصائحهم، حتى لا يذهب جهدك سدى، فالكتابة عمل طيب، ويمكنك كذلك أن تعمل محررا في أي صحيفة أو مجلة أو مراجعا للكتب في أي دار للنشر وما شابه ذلك، هذا إذا كانت قدراتك تسمح لك بذلك.

التناقض من الصفات المذمومة عند الشخص، وما عليك إلا أن تتخلص من تلك التناقضات، وأن تعيش مع الحق وتدور معه حيث دار، وأوصيك أن توثق صلتك بالله تعالى وتجتهد في تقوية إيمانك، من خلال كثرة الأعمال الصالحة فالحياة الطيبة السعيدة لا توهب إلا لمن اتصف بالإيمان العمل الصالح، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً