الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالوحدة وأفتقد الحب من الأصدقاء والعائلة، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أحد يحبني مطلقًا! وهذه ليست مجرد مشاعر عابرة، أو تقلبات مزاجية، إنها حقيقة بحتة أعرفها، حتى الذين يكنون لي بعض الحب حبهم لي ناقص، ليس لدي أصدقاء، أمي تحبني حباً لا يعادل نصف ثُمن حبها لأخي، أبي حبه حب واجب لا أكثر.

لا تنصحوني بالتقرب منهم، فقد حاولت وبحثت بشتى الطرق، أشعر بوحدة شديدة تأكلني، أنا في أهم عام دراسي ولا أستطيع الدراسة.

أنا ما من عيبٍ بي، فلا أزعج أحدًا، ولا أُغضب أحدًا، وليس هناك عيبٌ في شخصيتي، كذلك شكلي حسن، لماذا لا يحبني أحد؟ لماذا أنا وحدي؟ لماذا ابتعدت عني صديقتي؛ هل لأنها تعرفت إلى أصدقاء آخرين؟ ماذا فعلت أنا؟

أرجو المساعدة؛ لأني أكاد أجن من كثرة الوحدة، والحزن، والتفكير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والقبول بين أهلك وصديقاتك.

أولًا: الحمد لله أنك على خُلق ودين، ومهتمة بحب الآخرين لك، وهذا إن دلَّ فإنما يدلُّ على وعيك بمشاعر الآخرين، وهذه خصلة من خصال الذكاء الاجتماعي والانفعالي، فالمؤمن يألف ويُؤلف، أي يألف الآخرين والآخرون يألفونه، أمَّا الحب فله درجات بحسب نمط التفاعل مع الآخرين، وبحسب المواقف والتجارب السابقة، وبحسب أمزجة اتجاهات الأفراد نحو بعض.

والأمر -ابنتنا العزيزة- ينبغي ألا يُزعجك كثيرًا؛ لأنه قابل للتبديل وللتغيير، وليس شيئًا ثابتًا، فربما يتغيّر بتغيير الزمان والمكان والأفراد الذين تعاشرينهم، وليكن اجتهادك منصبًّا على فعل الخيرات والالتزام بالطاعات، وتجنُّب المنكرات حتى يُحبك الله، فإذا أحبّك الله يجعل لك القبول في الأرض، فيحبّك الناس كلهم.

ثانيًا: إن نبوغك وتفوقك في الدراسة حتمًا سيُغيّر اتجاهات الناس نحوك، فضعي هذا هدفًا من أهداف حياتك، وليكن هو الجالب للحب؛ بدلاً من أن يكون الحب من الآخرين جالبًا للتفوق إذا لم يتوفّر كما ينبغي.

ثالثًا: كوّني لنفسك منظومة أخلاقية وقيمية لكي تجذبي الآخرين وتنالي إعجابهم، فتكوني بذلك الجوهرة المُضيئة التي يستنير بها الآخرون.

والله الموفق.

-------------------------------------------------
انتهت إجابة الدكتور على أحمد التهامي (استشاري نفسي إكلينيكي )
وتليها إجابة الدكتور أحمد الفرجابي (مستشار الشؤون الأسرية والتربوية).
-------------------------------------------------

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، وأحيي هذه الإجابة الرائعة من دكتورنا الفاضل، وأعتقد أن فيها الخير الكثير، فأرجو أن تنتبهي لإجابة الطبيب المختص، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يملأ قلبك إيمانًا وحُبًّا لله تبارك وتعالى.

أحب أن أؤكد أن القاعدة هي أن يسعى الإنسان في إرضاء الله، فإذا رضي الله عنه أرضى عنه الناس؛ لأن (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ويصرفها)، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يُحبب إليك خلقه، وأن يُحبب إليك الصالحين منهم والصالحات، وأرجو أن تستمري في تميزك، نسأل الله أن يضع في طريقك من يعوضك عن كل هذا، فإنك زهرة متفتحة على أبواب حياةٍ جديدة، فاسألي الله أن يرزقك زوجًا يُكرمك وتُكرميه، يُسعدك وتُسعديه، وأبشري بالخير.

واعلمي أن الوالد والوالدة غالبًا يحبان أبنائهم وتمتلئ قلوبهم بتلك المحبة، لكننا نحتاج إلى مهارات التعبير عن الحب، لذلك أرجو ألَّا تنزعجي كثيرًا، فحب الوالدين لأبنائهم وبناتهم جزء منه فطري، ولذلك الشريعة أوصت الأبناء بآبائهم وليس العكس؛ لأن الآباء بفطرتهم يُحبون أبنائهم وبناتهم.

واجتهدي دائمًا في أن تعاملي الناس بالحسنى، في أن تبحثي عن القواسم المشتركة بينك وبينهم، في أن تُكثري من الدعاء والتوجه إلى الله تبارك وتعالى، فإن مَن توجّهت إلى الله بقلبها صرف الله قلوب الناس إليها، فازدادي إخلاصًا لله في عبادتك، وصدقًا في توجهك لربك، واحرصي على فعل ما يُرضيه وأبشري بالخير، واعلمي أن الله تبارك وتعالى هو الذي ينبغي أن نُحبّه ونسعى في كل ما يُقربنا إلى حُبِّه، ونحب الرسول الذي أرشدنا إليه، ونحب المؤمنين لإيمانهم، ونزيد في محبة مَن هو أقرب لله تبارك وتعالى.

نسأل الله أن يُعينك على الخير، وأنا سعيد جدًّا بالسؤال، وسعيد جدًّا بالإجابة التي وصلتك من الدكتور، وأرجو أن تنتبهي لهذا وتنصرفي لمستقبلك ودراستك، واهتمّي بتطوير مهاراتك الاجتماعية، مهارات التعامل مع الآخرين، ولا تنزعجي إذا وجدت أن الوالدة مثلًا تميل للأخ، ولكن قومي بما عليك، واعلمي أن البر مطلب عزيز وغال، ونسأل الله أن يُعينك على بر والديك، وأن يُلهمك السداد والرشاد، وأرجو ألَّا يأخذ الموضوع أكبر من حجمه، خاصة وأنت في مرحلة الامتحانات، نسأل الله أن يوفقك وأن يرفعك عنده درجات.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً