الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما نصيحتكم لمن تعرض لمقارنات أثرت في نفسه؟

السؤال

السلام عليكم

كيف يمكننا مساعدة إنسان تعرض لمقارنات قاسية لسنوات طويلة، بينه وبين شخص معين، حتى وصل الأمر إلى أن الذي يقارن بينهما صرَّح له بأسلوب قاسٍ أن الآخر أفضل منه، مهما فعل من أخطاء!

صُدِم صدمة شديدة امتدت لأشهر، وعانى معاناة نفسية مؤلمة تتجدد يوميًّا، وازدادت حساسيته تجاه الشخص الذي يقارَن به، ووصل الأمر به إلى حَمْل كل فعل أو قول يصدر من الذي يقارنهما على محمل سيء، وأن الغرض منه المقارنة والتحقير من شأنه.

هكذا يرى الأمور، حتى وإن كان القول أو الفعل الذي صدر عفويًّا لا يُقصد به شيء، وقد اجتهدت في مساعدته للتخلص من هذه النظرة، والخروج مما يعانيه، لكن لم تكن هناك استجابة لشدة الصدمة، وما زال الأمر هكذا مع مرور شهور طويلة!

علماً بأنه كان متفانيًا في خدمة من يقارنه بالشخص الآخر، والآخر لم يكن كذلك، ولا قريبًا من ذلك، ولو بنسبة قليلة، وكان هذا أكبر أسباب الصدمة والمعاناة النفسية التي يمر بها.

مما زاد ألمه أن من طبعه اللين والسهولة في التعامل، وخدمة الغير، ولو على حساب مصالحه الشخصية، ومن طبع الآخر الشدة، وعدم الانصياع للغير، والحرص على منافعه الشخصية، وعدم الالتفات لمصالح غيره، ولو كان غيره في حاجة إليه.

ذكّرته بالالتفات إلى ما ينفعه، وعدم الانشغال بما يزينه الشيطان، وقد ابتلاه الله لينظر كيف يصنع، وأن واجبه إمضاء حياته وعدم إيقافها لتحليل ما يصدر من الآخرين، وأن الله سيجزي كل نفس بما كسبت، ولا تنشغل برأي الناس فيك، ولا تنتظر تقديرهم، فلم يُجدِ هذا نفعًا.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أخي الكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على معاونة الأخ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمه السداد والرشاد، وأن يعينه على طاعة رب العباد سبحانه وتعالى، وقد أحسنت فإن الإنسان أعرف بنفسه من غيره، والله أعرف بنا من أنفسنا، والإنسان عليه أن يؤدي ما عليه ولا يبالي بثناء الناس، يجعل همه أن يمدحه رب الناس سبحانه وتعالى.

لذلك إذا تتبع هذا الأخ ما يرضي الله تبارك وتعالى؛ فإننا نبشره بما جاء عن النبي صل الله عليه وسلم من أن الله إذا أحب عبداً من عباده أمر جبريل أن ينادي في السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يلقى له القبول في الأرض، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً)، أي محبة في قلوب الناس، ولكن الطريق إلى قلوب الناس يبدأ بطاعة رب الناس، الذي يعمل لله، يعمل بما يرضي الله، هذا موعود بأن يحبه الناس، وبأن يصرف العظيم قلوب العباد إليه.

الأمر الثاني هو: أن لكل إنسان نقاط قوة ونقاط ضعف، ولا تصح المقارنة أصلًا، فليس هناك شخص أفضل من شخص، لأن كل إنسان له ميزات ميزه الله تبارك وتعالى بها، فعلى هذا الأخ أن يجتهد في اكتشاف ما ميزه الله به من الصفات والأخلاق، ثم يحمد الله تبارك وتعالى عليها، ولا يبالي بكلام الآخرين لأن الآخرين كما قال المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ *** فهي الشهادة لي بأني كاملُ

فالإنسان لا ينتظر تقييم الآخرين له، لكن المهم أن يكون في رضا ربه تبارك وتعالى، لأن في الناس ظلماً وعدواناً، وبالتالي المقارنة ظالمة في كل الأحوال، كل إنسان له ما يميزه عن الآخر، والله فضل بعضكم على بعض في الرزق وفي كل شيء، وكل مواهب الحياة هي تعتبر في الرزق، إذاً فضل بعضكم على بعض، معناها كل إنسان أفضل من الثاني في جوانب ميزه الله بها، فالمطلوب هو اكتشاف هذه الجوانب، تنمية هذه القدرات، تنمية هذه المواهب هو الذي ينبغي أن يشغله، وهذا الإنسان الذي يقارن طبعاً هو بحاجة إلى أن ينصح، إلى أنه ما ينبغي أن يشتغل بمثل هذه الأمور، بل عليه هو أيضًا أن يشتغل بإصلاح نفسه.

الإنسان إذا علم أنه يمتلك قدرات، ولا يضره كلام الناس بعد ذلك، ينمي ما عليه، وكثيرًا ما وجد بعض الناس مثل هذا، فكان سبباً في أن يندفعوا إيجابيًا في تحسين أوضاعهم في تطوير مهاراتهم، حتى أبهروا من كان يقارنهم، حتى فاقوا وتفوقوا عليه، لأنهم عرفوا الطريق الذي يصعد به الإنسان سلم المعالي.

عليه: أرجو أن تستمر في نصحك له، وذكره بأن تقييم الإنسان لنفسه وثقته في نفسه فرع عن ثقته وإيمانه في ربه تبارك وتعالى، وأن كلام الناس لا يضرنا، ومن في الناس ليس فيه نقص؟ ولذلك من طرائف ما يروى أن بعض النصارى لاموا من أذنب في حضور عيسى عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه، فقال لهم: (من ليس عنده خطأ فليتقدم ليرجمهم) فلم يتقدم أحد، أراد أن يعطيهم درساً أنا كلنا ذلك الناقص، والسعيد من عرف نقاط الضعف في نفسه، ليس عند الآخرين، ثم سعى في تنميتها.

لذلك أرجو أن لا يغتم ولا يهتم، بل ينطلق في سلم المعالي، يطور نفسه ويعبد ربه ويعمل عمل الخير، يرجو الثواب من الله وحده.

نسأل الله لنا ولك وله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً