الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا ينتابني اللوم لنفسي عند الإنفاق على المحتاجين؟

السؤال

السلام عليكم.

كلما أنفقت على محتاج أو يتيم لامتني نفسي بشدة، فتنهمر علي الوساوس من قبيل:
- كان من الأفضل أن تنفق على نفسك خير لك من غيرك!
- لماذا تعطي بينما أنت بحاجة إلى الادخار من أجل الزواج؟
- من سيساعدك إذا مرضت ولم تجد المال الكافي؟

وغيرها من الوساوس التي تجعلني أتمنى ألا أنفق، لكي أرتاح نفسيًا على الأقل، فهل من حل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ANAS حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يملأ يديك بالخير والمال.

لا يخفى على أمثالك قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) رواه مسلم، وقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] وقوله سبحانه وتعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268].

هذا الذي يحدث بالنسبة لك هو من تخليط الشيطان؛ لأن الشيطان تعهّد فقال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16]، فهو يقف في طريق مَن يريد أن يُصلي، ويقف في طريق من يريد أن يتصدّق ويفعل الخير، ولذلك لابد أن نخالف هذا العدو، وعلينا أن نعلم أن الشيطان عدوٌ، ونحن مأمورون بأن نتخذه عدوًّا، قال العظيم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].

عليك أن تعلم أن الإنفاق لون من الشكر؛ فالشكر يجلب الزيادة، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، وعليه أرجو ألَّا تطاوع هذا العدو؛ فهذا من كيده، وهو أن يجعل الإنسان يمتنع عن الإنفاق، ثم إذا أنفق يجعله يتحسّر، لأن همّ الشيطان أن يُحزن أهل الإيمان، {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10].

وعليه نحن نوصيك أولاً بالاستمرار في الإنفاق.
- ثانيًا: نوصيك بكثرة الدعاء واللجوء إلى الله تبارك وتعالى.
- ثالثًا: نوصيك بمخالفة عدونا الشيطان، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} ولا تتحقق عداوتنا للشيطان إلَّا بطاعتنا للرحمن سبحانه وتعالى.

ولذلك أرجو أن تستمر في الإنفاق، وتعاند عدوّنا الشيطان، وسيأتي اليوم الذي تجد فيه اللذّة في البذل، واللذّة في العطاء، واللذّة في الإنفاق، خاصةً إذا علمت أن الكريم الوهاب الرزّاق هو الذي وعدنا بأن يُخلف علينا: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272].

لذلك أرجو أن تكون الفكرة أمامك واضحةً، فهذا شأن عدونا الذي لا يريد لنا أن نفعل خيرًا، وبالتالي هو يقف في طريق مَن يريد الإنفاق، ومن يريد الخير، ومن يريد الصلاة، ونسأل الله أن يعينك على الخير، ونتمنّى أن تقرأ عن كرم النبي ﷺ وجُوده وسخائه، ثم تجتهد في أن تبذل ولو القليل، لأن هذا سببٌ للبركة، وسببٌ للخير عندما يُنفق الإنسان ويساعد المحتاج؛ فإن الله يُساعده، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (يا ابْنَ آدَمَ أنْفِقْ، أُنْفِقْ عَلَيْكَ) وقال ﷺ: (‌مَنْ ‌كَانَ ‌فِي ‌حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وقال ﷺ: (‌مَنْ ‌يَسَّرَ ‌عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، وقال: (‌مَنْ ‌فَرَّجَ ‌عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).

أسأل الله أن يُعينك على الخير، وأن يثبتك، ويُسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات