الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحول الأحوال من السعة إلى الضيق ابتلاء من الله يصيب به المؤمن

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله

أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري، من أسرة متدينة والحمد لله، وقد كنا في حياة هانئة لا نشكو مادياً، فقد كنا في أحسن حال، وبيننا كل حب وود، ووالدتي ووالدي كان يضرب بهما المثل في الود والحب، فقد كانا في قمة التفاهم والمحبة، وكانت المشاكل والأزمات لا تعرف طريقنا.

أما الآن وقد كبرنا تبدلت أحوال بيتنا إلى النقيض تماماً، فقد تأزمنا مادياً، وبالكاد يوفر والدي قوت يومنا والحمد لله على كل حال، وعرفت المشاكل بكل أنواعها وصنوفها طريق بيتنا، وأصبحنا لا نطيق بعضنا البعض، ونتشاجر لأتفه الأسباب، حتى والدي ووالدتي يكاد لا يمر يوم حتى يتشاجرا لأي سبب، علماً بأن والدتي سيدة صبورة وراضية بما قسمه الله لها.

أنا لا أبالغ إذا قلت لكم: إننا ننهار وبيتنا يوماً بعد يوم، ولم أتزوج أنا وأخواتي البنات، فلي أختان يكبراني بالرغم أننا على قدر من الجمال، وسمعتنا طيبة والحمد لله، حتى أخي أصبح عازفاً عن الزواج مضرباً عنه!

إن حياتي أصبحت جحيماً، واعتلت حالتي النفسية، ولا أدري ماذا أفعل؟ حتى أنني في بعض الأحيان كنت أتمنى لو أن الله أباح لنا التخلص من حياتنا لكنت انتحرت واسترحت من حياتي، وكلما ذهب بصري إلى من حولنا وجدت حياتهم طبيعية، أتعجب وأستنكر في نفسي ويذهب فكري إلى ما أخاف أن يكون إلحاداً واعتراضاً على إرادة الله، فكيف يكون عدل الله بين الناس ونحن محرومون، بالرغم من أننا نعبد الله ونخافه.

نحن لا نسعى إلى الدنيا، ولكن نريد أن نعيش كما يعيش الناس، وأن تكون حياتنا طبيعية، هل نحن مصابون بسحر مثلما يقول الناس؟

هل نذهب وراء قول هذا وذاك أم ماذا نفعل؟ ولو كان هذا ابتلاء من الله فهل ابتلاء الله يشتت الشمل ويقلب حياتنا من الراحة إلى الشقاء؟ كيف لنا الخروج من كل ما نحن فيه؟ فألسنة الناس لا تسكت، وأنت تعلم مجتمعاتنا، أليس من حقنا أن نعيش كما يعيش الناس؟ فالعمر يمر وينقضي، أنا أشعر بأن عمري قد سرق مني، أعطاء الله لنا ينقص مما عنده شيئاً وهو يعلم ما نحن فيه ويرانا؟! أنا تعبت، لا أستطيع أن أصف لك ما أنا فيه، ولكننا جميعاً في أسوأ حال، ومن الأسوأ إلى الأسوأ في كرب وهم، ماذا نفعل علماً بأننا نتضرع إلى الله صباح مساء؟

أرجوك قل لي كلمة في الله تسكن لها نفسي وقل ماذا نفعل؟ ولماذا يفعل بنا هذا؟ وشكراً، والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلى صبر، وإذا أذنب استغفر.

عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى – وأمر الله نافذ – ومن سخط فعليه السخط – وأمر الله نافذ، فاتقي الله واصبري، واعلمي أنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، واحذري من الاعتراض على أقدار الله، فإنه سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

اعلمي أن أهل الإيمان يحافظون على إيمانهم في الشدة والرخاء، ويحمدون الله على القليل فينالون بشكرهم الكثير.

نحن ننصحك بأن تنظري إلى أحوال من هم أسفل منك، ولا تنظري إلى أحوال من هم أفضل منك، كي لا تحتقري ما أنت فيه من نعم، فهل شكرت الله على العافية والأمن والثبات: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [إبراهيم:34]، وتذكري أنكم كنتم في عافية ونعمة، ولم تكونوا تعرفون أحوال الفقراء الذين يعيشون حياتهم كلها في معاناة، ومع ذلك فهم يشكرون الله على العافية، ويصبرون على الجوع والعطش.

وأرجو أن تحذري من الاعتراض على قسمة الله بين عباده، فإن في ذلك خطورة على عقيدة المسلمة.

ولا تنظري إلى ما في أيدي الناس، واعرفي مقدار نعمة الله عليك، فإن الله قال في كتابه: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [طه:131]، ثم بين سبحانه أن النعمة الكبرى ليست في زهرة الدنيا وزخارفها، ولكن النعمة الكبرى هي نعمة الدين والصلاح والتقوى، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء، ولكن لحقارة الدنيا فإنه يعطيها من يؤمن ومن يكفر، ولا يعطي الدين والصلاح والخير إلا لمن أحبه.

فاتقي الله واصبري، وشجعي أسرتك على الصبر والرضا بالأقدار، وأكثروا من الاستغفار والصلاة والسلام على رسولنا المختار، وعمروا داركم بالقرآن وذكر الرحمن حتى يخرج الشيطان، ويعود لمنزلكم الأمن والأمان.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً