الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخشى رفض أهلي للشاب المناسب لأنه غريب، فما الحل؟

السؤال

السَلام عليكُم ..

أنا طالبة في مَرحلة إعدادية، وهُناك شخص يحُبني ويود التقَدُم لي للزواج، وأنا موافقة، وهوَ طالِب طب جَامعي، ويمتلك 3 شرِكات، وأموره مُيسرة، لكنهُ مِن مُحافظة بَعيدة، ويُعتبر غَريبًا، وأهلي مِن النوع العَنيد قليلًا، أخشى أن يرفضُوه، فمَا الحل؟ ومَا الحجة المُناسبة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وَتين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يُقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولًا: نريد أن نطمئنك ابتداءً - أيتها الأخت الفاضلة؛ حتى يهدأ قلبك وتستريح نفسك - أن من كتبه الله ليكون زوجًا لك سيكون، فلا رادَّ لقضاء الله، ولا مُعقِّبَ لحكمه، والله قدَّر لك زوجك من قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي (ﷺ) قال: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ ‌قَبْلَ ‌أَنْ ‌يَخْلُقَ ‌السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»، وفي رواية الترمذي: «إِنَّ أَوَّلَ مَا ‌خَلَقَ ‌اللَّهُ ‌القَلَمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ، فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ القَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ»، فما عليك إلَّا بذل الأسباب، مع التسليم لقضاء الله عز وجل .

ثانيًا: الخير والشر والحسن والقبح أمرٌ لا نستطيع أن نحيط به إحاطة تامَّة، فقد يتمنى المرء أمرًا يراه خيرًا وهو شر، وقد يرى غيره الخير شرًّا وهو خيرٌ ولا يدري، وهذا من قول الله عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

ثالثًا: الشاب على ما ذكرت طالبٌ في كلية الطب، وهو ماديًّا جيد؛ لكنه من مكان بعيد، هذه كلها أمور جيدة، لكن لا يبنى الزواج السعيد على مثل هذه الصفات وفقط، لا بد - أختنا الفاضلة - من أمور أخرى أهمها الدين والخلق، وهناك أمور يعلمها أهلك وأنت لا زلت صغيرة عن فهم كل متطلبات الحياة، لذلك عليك بالهدوء والثقة بعد الله في أبويك، فهما أحرص الناس عليك، وأفهم الناس لمصلحتك، ونحن ننصحك - أختنا الفاضلة - بتوطئة الحديث إلى أمك، فهي سرك، وهي من ستسمع منك وتنصت، ولا تريد لك إلَّا الخير. ابدئي بالحديث معها تدريجًيا، ونحن على ثقة أن الأمور ستتحسن وستكون مرضيةً لك.

رابعًا: اعلمي أن التواصل مع الشاب لا يحل لك، فلا تحدثيه من وراء أهلك، فإن بعض الشباب متى ما رأى الفتاة سهلة الانقياد عزف عنها أو استغلها استغلالًا نعيذك بالله منه، كما يجب على الأهل أن يسألوا عنه؛ فإن بعضهم يقول كلامًا فقط من أجل أن يوقع بالعفيفات، لذا الاحتماء بأهلك بعد الله هو الأمان لك.

خامسًا: نرجو منك - إن تقدم الشاب وكان جادًّا وبعد السؤال عنه - أن تستخيري الله كما علمنا (ﷺ) من حديث جابر رضي الله عنه يقول: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن وكان يقول (ﷺ): إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ - هنا تسمي حاجتك (أي زواجك بهذا الشاب) - خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ - هنا تسمي حاجتك - شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ . وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ).

وبعد صلاة الاستخارة ثقي أن الخيرة - إن شاء الله - ترتقبك، فلو قدَّر الله لك هذا الشاب زوجًا فاعلمي أنه الخير لا محالة، وإن صرفك عنه فاعلمي أن هذا هو الخير أيضًا.

وفي الختام - أختنا الكريمة - نرجو منك أن توثقي علاقتك بوالديك، واعلمي أنه لا يوجد على ظهر الأرض من يحبك لذاتك مثلهما، نعم قد يخطئ الوالدان أو أحدهما، لكن يستحيل أن يكون هذا عن عمد، فمحبتك عندهما فطرة فطرهما الله عليها. وثّقي علاقتك بهما، واعلمي أنهما بعد الله مصدر الأمان لك، ولا تتواصلي مع الشاب فهو محرم عليك، والحلال لا يطلب بالحرام - يا أختنا - ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يقدر لك الزوج الصالح، والله المستعان.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً