الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابتُليت بذنب أفعله في خلوتي أثر على محافظتي على صلاتي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابتُليت بذنب كنت أفعله في خلوتي، ثم هداني الله وابتعدت عنه، والآن عدت إليه، وأكثر ما يؤلمني أن هذا الذنب عظيم، والأسوأ منه أنه –والله أعلم– سبب حرماني من صلاة الفجر والخشوع في الصلاة، وهذا ما يقطع قلبي.

اعتدت في السنة الماضية أن أسهر الليل وأواصل القيام والفجر ثم أنام، أمَّا هذا العام فلا يأتيني القيام إلَّا بشق النفس، وكذلك صلاة الضحى، ثم وصل الأمر إلى صلاة الفجر، وحاولت الاستعانة بالمنبهات والأصدقاء، ولكن الله هو المعين الوحيد.

وأنا الآن أسأل: هل من شيء يردني إلى صلاة الفجر ويمنعني من ذلك الذنب الذي كرهته وكرهت نفسي من أجله؟ أبحث عن حلٍّ أبدي، فأنا لا أريد أن أعود العام المقبل –إن كتب الله لي عمرًا– لأطرح نفس السؤال، بل أريد التخلص من هذا الذنب، هدانا الله وإياكم.

سؤال آخر: أنا معلِّمة لطالب أجنبي في الثالثة عشرة من عمره، أُعلّمه القرآن، وأخشى أن يكون في ذلك أذىً له، فهو شاب، ولربما يحدث في نفسه شيء، وأنا (والله) لا أريد إلَّا الخير، لكن أخشى على نفسي الفتنة.

حاولت ترك حصته، لكن المسؤول رفض، وأنا أتعامل معه بضوابط، غير أنني أخشى نزغ الشيطان، وبقيّة الطلاب بنات أو أطفال، والعمل معهم مريح، لكن ليس هناك غير هذا الطالب يكبرهم في العمر.

سؤال آخر: لدي صديقة أحسبها على خير، تصلّي القيام والفجر، وكثيرة الذكر، لكن فيها بعض العادات كالأكل بصوت، وهذا يزعجني بشدة، ومن الممكن أن تقيم عندي في الغرفة بعد أن تستأذن طبعًا، لكنها عندما تستيقظ بالليل قد لا تراعي من هو نائم بجوارها، كأن تصدر أصواتًا، والمشكلة ليست فيَّ بل في مَن معي في الغرفة.

ومع ذلك أنا أرتاح لوجودها بجواري، وأحتاج إلى صحبة صالحة، فماذا أفعل؟ مع العلم أنني قلت لنفسي: إنها تقوم للفجر، وتصلي القيام والفروض في وقتها (اللهم بارك)، وقلت لنفسي: لا يوقظ الله للقيام والفجر إلَّا مَن رضي عنه، فعساها ممَّن يرضى الله عنهم.

أفيدوني جزاكم الله خيرًا، ولي من الأسئلة الكثير والكثير جدًّا، لكن المقام لا يتسع، وأود أن أشكر موقعكم، ففي ظل الفتن والمواقع المغشوشة المضللة، نجد موقعكم يقف بالمرصاد، فيه حلول وردود لأسئلة الشباب والشابات.

وقد أخبرتني معلمتي أنها عملت معكم فترة في إسلام ويب، وقالت: إن هنا مجهودًا جبارًا يُبذل لكي تصل الفتوى إليكم بهذا الشكل، وبهذا النحو، فاستغلوه، ومنذ ذلك الوقت لا أبرح عن سؤالكم.

جزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -الأخت الكريمة- في موقعك استشارات إسلام ويب، ونرحب بك دومًا، ونشكر ثقتك بنا، وجوابي لك كالآتي:

أولًا: مهما ابتُلي الإنسان بمعصية؛ فإنه بمجرد التوبة النصوح يتوب الله عليه، وكلما أحدث الإنسان ذنبًا أو معصية أحدث لها توبة، وقد قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:٣١]، وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ‌لَوْ ‌لَمْ ‌تُذْنِبُوا ‌لَذَهَبَ ‌اللهُ ‌بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ» (رواه مسلم).

ومهما كانت ذنوب الإنسان فإن عفو الله تعالى أعظم، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى:٢٥]، وقال ﷺ: «‌التَّائِبُ ‌مِنَ ‌الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» (صحيح ابن ماجه).

ثانيًا: لا شك أن الذنوب والمعاصي لها عواقب وخيمة، سواء في حياة الأفراد أو المجتمعات، ومن هذه الآثار: حرمان الخير والطاعة، فإذا كان حالك في السابق أفضل من وقتك الحالي، فراجعي نفسك، وفتشي عن الذنب الذي أوصلك إلى الانقطاع عن ذلك الخير الذي كان في العام الماضي.

ثالثًا: سؤالك عمّا يخلصك من هذا الذنب؛ فأنصحك بأن تنظري إلى عظمة من عصيتِ، ولا تجعلي الله تعالى أهون الناظرين إليك، وهذه العبارة أخاطب بها نفسي، وهي نصيحتي لإخواني وأخواتي، فـ «كُلُّ ‌ابْنِ ‌آدَمَ ‌خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» كما أشار رسولنا الكريم محمد ﷺ، مع تذكّر عواقب الذنوب والمعاصي.

رابعًا: وأما صلاة الفجر فلها فضل عظيم، وفوائد كثيرة، منها:
1- إن الله تعالى اختص صلاة الفجر بمزيد فضل، فهي صلاة مشهودة، قال تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء:٧٨]، والمراد بها صلاة الفجر.
2- النور التام يوم القيامة لأهل صلاة الفجر.
3- حفظ الله لصاحبها، قال النبي ﷺ: « ‌مَنْ ‌صَلَّى ‌صَلَاةَ ‌الصُّبْحِ ‌فَهُْوَ ‌فِي ‌ذِمَّةِ ‌اللهِ» (رواه مسلم)، أي في حفظه وحمايته.
4- شهادة الملائكة له عند الله.
5- سبب لدخول الجنة، قال ﷺ: «‌مَنْ ‌صَلَّى ‌الْبَرْدَيْنِ ‌دَخَلَ ‌الْجَنَّةَ» (متفق عليه)، وغيرها من الفضائل والخصائص لصلاة الفجر.

خامسًا: لمعالجة الاستيقاظ هناك أسباب، منها:
- صدق الرغبة، فإنما الأعمال بالنيات.
- ترك السهر؛ فإن النوم المبكر من أهم أسباب الاستيقاظ لصلاة الفجر.
- ترك الذنوب، خصوصًا ذنوب الخلوات؛ فقد يُحرم الإنسان الطاعة بسبب الذنوب.
- الحرص على أسباب الاستيقاظ، كالنوم على وضوء، وضبط المنبه، ووصية بعض الأهل أو الجيران أو الأصدقاء لإيقاظك.

سادسًا: بالنسبة لكونك معلمة لطالب أجنبي عمره ١٣ سنة؛ فإن كان غير بالغ فلا بأس، وإن كان بالغًا وخشيت الفتنة على نفسك فلا يحل تدريسه، لا سيما إذا كان هناك خلوة، وما دام أن معظم طلَّابك بنات وأطفال، فحاولي الاعتذار عن تدريس هذا الطالب.

سابعًا: سؤالك عن صديقتك وثناؤك عليها شيء جميل، وأما بعض العادات التي تكرهينها فيها مثل الأكل بصوت مرتفع، فقد تكون تعودت عليه منذ الصغر، ولا يوجب ذلك ذمها بسبب هذا فقط، وإنما يكون التنبيه لها منك، وكذلك إصدار الأصوات في وقت النوم؛ فهذا ليس بيد الإنسان، مع كون الإنسان مأمورًا بأخذ أسباب العلاج من هذه الظاهرة غير المرضية.

ثامنًا: كون الإنسان يقوم للفجر ويجعل ذلك علامة على رضا الله عز وجل قد يكون، ولكن هذه أمور غيبية، رضا الله تعالى لا يعلمه إلا هو، ونأمل في الله جزيل الثواب بالمحافظة على صلاة الفجر، والتوفيق بيد الله تعالى.

الخلاصة أختي الكريمة: الأمر يحتاج منك إلى:

- المجاهدة، والصبر على الطاعة يقول الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) فاستمري على مجاهدة نفسك في القيام بأمر ربك، والابتعاد عن نهيه، وإن وقعت في الذنب -وهذا حال العبد- فلا تيأسي ولا تقنطي من رحمة الله، وأحدثي توبة، وثقي أن الله تواب رحيم، عفو كريم.

- الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، وبما أنك تريدين العودة لصلاة الفجر فسيوفقك الله لذلك، وهو القائل سبحانه: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه)، والأهم في هذا أن لا تعجزي، وقد كان من دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام: (وأعوذ بك من العجز والكسل) وأيضاً في وصيته عليه الصلاة والسلام (استعن بالله ولا تعجز).

نشكر لكِ وللمعلمة الفاضلة ثناءكما على موقع استشارات إسلام ويب، وعلى ثقتكما بنا، ويسعدنا تواصلكما الدائم مع الموقع، ويشرّفنا أن نقوم بالإجابة على الأسئلة والمساهمة في حلّ المشكلات. يع.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً