الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رغم اقترافي للمعاصي لا أشعر بتأنيب الضمير

السؤال

السلام عليكم
أحييكم على هذا الموقع الإسلامي الرائع.

أنا فتاة نشأت في أسرة ملتزمة جداً، ولكني -للأسف- لم أكن مثل أسرتي نهائياً، فأنا فتاة غافلة تماماً عن ديني، والمصيبة أني لا أشعر بتأنيب الضمير عند اقتراف أي ذنب، لا أفكر بالتوبة من المعاصي أبداً، وكلما خلوت أسأل نفسي: هل أنت مرتاحة هكذا؟ وتكون الإجابة: نعم.

علماً بأني فتاة ناجحة في كل نواحي الحياة، لكني لم أفكر قط في التوبة، مع أن المعاصي التي أقوم بها ليست من صغائر الذنوب، فأنا لم أقرأ القرآن منذ سنة ونصف، ولا أؤدي فروض الصلاة كلها، وعاقة لوالديَّ، وأتابع المسلسلات، وأسمع الأغاني، وغيرها.

أرشدوني، نفسي مرتاحة، ولا أشعر بضيق ولا بكآبة، حاولت عدة مرات أن أعاهد الله بعدم فعل معصية، مثل: سماع الأغاني، ولكني رجعت وسمعتها؛ لأن العهد كان الهدف منه هو التوفيق من الله في دراستي، فهل أهلي هم السبب في كل هذا؟ فهم الذين رسخوا في عقلي أن الدراسة والاجتهاد أهم شيء.

علماً بأني ملتزمة جداً بحجابي، ولا تربطني أية علاقة مع الشباب، ولا أخاطب أجنبياً لا بالموبايل، ولا حتى في الشغل، إلا للضرورة القصوى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحبًا بك -أيتها الأخت الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونحن إن كنا نتألم والله كل الألم لما وصفت من حالتك من الذنوب التي تقعين فيها، ولكن مع هذا لا يزال فيك خير كثير يؤهلك لأن تكوني من الخيرات الصالحات إذا أنت أخذت بالأسباب التي توصل إلى ذلك.

نحن لا نزال -أيتها الأخت- نرى فيك التزامًا بشيء من الدين، كالتزامك بالحجاب، وتجنبك لربط علاقات مع الشباب، وهذا يدل على أنه لا يزال فيك قدر لا بأس من التدين.

كما أن مما أعجبنا في استشارتك إنصافك من نفسك، ووضوح السؤال تمام الوضوح، ووقوفك مع نفسك في مواقف الخطأ دونما مواربة، واستشعارك لعظم الذنوب التي تقعين فيها، وأنها ليست من الأمور الهينة، وليست من صغائر الذنوب، فهذا كله يدل على أنه لا زال فيك قدر لا بأس به من الخير ينبغي أن لا تهملي استغلاله والانتفاع به قبل أن يطمس الله عز وجل بصيرتك بالكلية، وقبل أن ينزع الله عز وجل من قلبك هذا الشعور.

الشعور بأنك في الذنب، والشعور بأنك في حاجة إلى التغيير، والشعور بالحاجة إلى المساعدة، كل هذه جوانب خيرة مشرقة في حياتك، ينبغي أن لا تهملي استغلالها والانتفاع بها على الوجه الأكمل، وكوني على ثقة بأن الله -سبحانه وتعالى- إذا علم منك الخير فإنه سييسر لك الطريق الموصل إليه.

كونك -أيتها الأخت- لا تشعرين بالحاجة إلى التوبة، لأنك كنت منغمسة في ملذات حياتك، منشغلة بالانكباب على الدنيا، ناسية غافلة عن الدار الآخرة، فهو أمر طبيعي أن يشعر الإنسان بقسوة في قلبه، وأن لا يشعر بحاجة تدعوه إلى التوبة ما دام هذا حاله.

حتى تنفضي عن قلبك هذا الغبار وتتخلصي من هذه الحالة، فهناك وسائل ذكر أهل العلم أنها تبعث في القلب الخوف من الله تعالى، والخوف هو قامع للشهوات، فإذا وجد في القلب الخوف فإن الخوف هو الذي يدعو الإنسان إلى الانكفاف عن الذنب والمعصية، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى)، هذا الحديث رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب.

النبي -عليه الصلاة والسلام- يبين بوضوح أنه لو نعلم ما يعلمه -عليه الصلاة والسلام- لضحكنا قليلاً ولبكينا كثيرًا.

تذكري النار وما أعد الله عز وجل فيها للعصاة وأهل الفسق والفجور، تذكري طعام أهل النار (الزقوم) تذكري لباسهم، وشرابهم، ومبيتهم، تذكري حياتهم، واقرئي القرآن، اقرئي سورة الصافات تخبرك عن أهل النار، واقرئي الآيات في سورة الحج أن لهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها، اقرئي عن وصف شرابهم، أنهم يُسقون ماءً حميمًا يقطع أمعاءهم، وأنهم يستغيثون فيغاثون بماء يشوي وجوههم قبل أن يحرق بواطنهم، وأن الواحد منهم يتمنى الموت في النار، ويكون أكبر ما يتمناه أو يصل إليه لكن لا يُعطاه.

تذكري هذه المواقف كلها، تذكري القبر وضمة القبر حتى تختلف الأضلاع، وظلمة القبر، وسؤال منكر ونكير، تذكري هذه الحفرة الضيقة، تذكري الوقوف على أرض المحشر يوم القيامة والشمس قد دنت وقربت من رأسك ليس بينها وبينك إلا قدر ميل المكحلة، وأنت تتصببين عرقًا، وتسبحين في هذا العرق، تذكري هذه المواقف العصيبة فإنها تبعث في القلب الخوف من الله تعالى.

نحن ننصحك بأن تكثري من سماع المواعظ، اسمعي، وإن كان في أول الأمر بغير رغبة فإن الله عز وجل سيخلق لك الرغبة، اسمعي كثيرًا وصف النار، ووصف الحساب، ووصف الجزاء، اسمعي كثيرًا عن وصف المخلوقين حين يخرجون من قبورهم، وما هي الأهوال التي يلاقونها، اسمعي كثيرًا عن أحوال القبور وأهل القبور وما يلاقيه أصحاب القبور، وفي المقابل اسمعي عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم، اسمعي كل هذا فإن هذه المواعظ كفيلة -بعون الله تعالى- أن ترقق قلبك لا محالة.

ثانيًا: تذكري جيدًا أنه ربما يأتيك الموت بغتة، قبل أن تتمكني من التوبة، فإن الأعمار بيد الله تعالى، وأنت لا تدرين متى يفاجئك الموت، فإذا تذكرت هذه الحقيقة بعد استيقاظ القلب من نومه، من سباته، إذا تذكرت هذه الحقيقة فإنك ستجدين نفسك تبادرين إلى اجتناب المعصية والتوبة منها.

نحن على ثقة -أيتها الأخت- بأنك إذا أخذت بهذه الأسباب وسلكت هذا الطريق فإن الله عز وجل سيغير حالك، فهذا وعد الله، فقد قال جل شأنه: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

أنت إلى اليوم لا تزالين في عافية من معاقبة الله لك على هذه الآثام التي أنت فيها، فلا تغتري أبدًا بعفو الله ولا تغتري بإمهال الله، فإن الله عز وجل يُمهل للظالم لكن لا يهمله، يُملي له فإذا أخذه لم يُفلته، وكوني على ثقة ويقين واقرئي أخبار من قبلك من العصاة والمذنبين بأن الله -سبحانه وتعالى- إذا غضب فإنه لا يقوم لغضبه شيء، لا يقوم لغضبه السموات والأرض فضلاً عنك أنت أيها المخلوق الضعيف المسكين.

تذكري هذه الحقائق كلها وستجدين أن قلبك يتغير -بإذن الله تعالى- واشكري نعمة الله عليك إذ أوجدك في أسرة متدينة ملتزمة تعينك على الطاعة، فهذا من إحسان الله إليك ولطفه بك، وينبغي أن تشكري هذه النعمة فتأخذي بأسباب الهداية والتوفيق، وإذا علم الله عز وجل منك الرغبة الصادقة فإنه -سبحانه وتعالى- سيخرجك من هذه الحال التي أنت فيها.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتوب علينا وعليك، وأن يهدينا وإياك الصراط المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً