الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل صداقتنا تسير في الاتجاه الصحيح أم خلاف ذلك؟

السؤال

تحية طيبة، أما بعد:

لي صديق حبيب [أعز صديق على قلبي]، تعرفنا في هذه الأيام من السنة الماضية، وكان هو من بدأ بالعلاقة، أحبني حينها حبا عظيما، لقد أحسست بذلك الحب، ولكني تجاهلته لأنني لم أقدّر مكانتي عنده.

كان يعتبرني أحد ثلاثة أصدقاء في حياته،، لم يكن حبه لي عابرا، ولكني لجهلي بذلك لم أعِرهُ اهتماما حتى انتهت الإجازة الصيفية، وأذقته خلالها عذابا نفسيا شديدا.

حين عدنا للدراسة صعُبَ عليّ خطئي في حقه، فصارحته باعتذاري وفاءً لمشاعره، من باب حفظ خلق الوفاء الذي علمناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم أكن بادلته مشاعره بعد، [هذا في شهر 9 أو 10 تقريبا، بداية الدراسة في العام الجديد].

بعد إساءتي إليه طوال الشهور التي مضت تلك سامحني وقال: "انظر ماذا تريد، فإن كنت تريدني فأنا أمامك صديقك كما كنت بل وأكثر".

حينها سمحت لقلبي أن يحبه، فعشنا في محبتنا هذه حتى عهد قريب [وما كانت إلا ابتغاء أن نجتمع في الفردوس الأعلى، لم تكن لمصلحة ما، وإلا لكنت أحببته من أول الأمر].

وقر في قلبي حبه بشدة ،، وكنت أرى أنه نعمة عظيمة أنعم الله بها عليّ، فهو من بلدي، ومخلص لي، يتحمل سوء خلقي، يملأ جانب روحي الناقص، ومعي في الكلية، وغيرها، الخ فالوصف يعجز.

أستاذي: قبل أكثر من شهرين، نزغ الشيطان بيننا، وحدث بيننا موقف أثّر عليه تأثيرا كبيرا، جرح كرامته [على حد تعبيره، وكان له طابع أخلاقي، وإنما هو خطأ تبنا إلى الله منه].

بعدها هُدٍم الصرح الذي كان لي في قلبه، لم يعد يجد في نفسه تجاهي أي مشاعر، ما زال مصدوما، لم يعد يحرك قلبه أي مشاعر، ولا أشواق، ولا شيء، يقول أنه فقد كرامته وكذا وكذا.

حدثت مع أخي نفسه مشاكل مشابهة من قبل فكان يحزن حزنا عظيما، ويقطع صاحب المشكلة فورا، كان يقطعهم ويكرههم.

بالنسبة لي لم يقطعني بعد [وإن شاء الله لن يفعل]، ولكنه ماطل معي خلال الشهرين رغبة منه أن يرجع قبله كما كان، حاول المستحيل حتى ينسى مشكلته وهمّه، لكنه لم يستطع.

فكان آخر العلاج في رأيه أن ننقطع خلال هذه الإجازة إلى أجل غير مسمًى [نقاهةً]، ثم إذا تقابلنا في الكلية فالله وحده يعلم ما سيكون، يقول أننا "-إن شاء الله- سنتحدث ثانية" ولكن هل سنعود إخوة وأحبة كما كنا من قبل، هل سترجع القلوب كما كانت، هل ستعود المياه إلى مجاريها؟

إنه لا يعلم عن هذا شيئا الآن، ولا يهمه شيء من هذا الآن، أهم ما يفكر فيه أن يبقى وحيدا معزولا عني خاصة، وعن العالم عامة، انتهى.

أريد أن أعلم كيف أتعامل معه الآن، أريد أن يطمئن قلبي لرجوع حبيبي؟

لو تعلم يا أستاذ مقدار الجرح الذي أعانيه الآن، إن هذا أعظم بلاء وقعت فيه [الله يجعلها أشد المصايب، ويفرجها قريبا]، ولم أبك على شيء بعد بلوغي الحلم إلا عليه، بل بكيت كثيرا خلال الشهرين، ولا أزال، ماذا عليّ أن أفعل حتى يصطلح الأمر؟

أخشى إن صبرت أن يموت إحساسي فأظلمه ثانية إذا حاول أن يرجع إليّ في حين أنني من المفترض أن أكون متميزا أمامه حتى يعجب بي كما فعل أول الأمر، ولكن لا أظن أنني سأستطيع أن أقف معه أو أحدثه أو حتى أنظر إليه إذا مرّت هذه الإجازة هكذا، أرى أن قلبي سينكسر، وأخشى أن أعجز عن تجبيره، ثم إذا رجع صديقي أعجز عن استقباله فيضيع مني إلى الأبد، أفيدوني وخففوا عني وأرشدوني.

هذا باختصار، وإن أحببتم الاستفسار عن أي شيء فإني مستعد -إن شاء الله-.

آسف للإطالة.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو الحارث حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك -أخي الكريم الفاضل-: إنه مما لا شك فيه أن هذا التعلق بهذه الصفة ليس طبيعيًا، فإني أخشى أن يكون هذا التعلق تعلقا غير مشروع، لأن العلاقة التي عرفناها بين الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- وهم كانوا أحب الناس لبعضهم البعض، ويعلمون أن فعلاً من أصول الإيمان الحب في الله والبغض في الله، إلا أن هذه العلاقة التي تتكلم عنها بهذه الكيفية علاقة في ظني أنها غير طبيعية، وأن التعلق الكبير والعميق بينكما أخشى أن يتحول إلى علاقة مثلية، وإلى نوع من الشذوذ المحرم، رغم أنكما ما التقيتما إلا على طاعة الله تعالى، ومن هنا فإني أرى أن تترك الأمور طبيعية وأن لا تشغل بالك بهذا الأمر مطلقًا، ما دمت تحبه في الله تعالى، فدع الأمر لله عز وجل، وإن بدأ العام الدراسي بإذن الله سبحانه فإنه سيقدر الله -تبارك وتعالى ما يشاء-.

وأنا أتمنى بارك الله فيك أن تتوجه إلى الله -تبارك وتعالى- بالدعاء، والبكاء والإلحاح على الله أن يفصل لك في هذه العلاقة، فإذا كانت هذه العلاقة لله سبحانه وتعالى، وعلاقة تُرضي الله -سبحانه وتعالى- فلتكن لله تعالى، وأنا واثق أنها إذا كانت لله خالصة فسوف تدوم وتستمر إلى آخر الزمن؛ لأن المحبة في الله نوع من أنواع العبادة.

أما إذا كانت محبة في الدنيا أو نوعا من الإعجاب أو غير ذلك من هذه الأشياء التي تشغل القلب، لأنك تعلم أن القلب له تعلقات كثيرة، والعلماء ذكروا أكثر من ثمانية أنواع لتعلق القلب، وفيها تعلق واحد فقط لله -سبحانه وتعالى-، وبقية هذه التعلقات كلها لغير الله عز وجل.

أقول: إذا كانت العلاقة بينكما لله تعالى فتوجه إلى الله -عز وجل- بالدعاء، إذا كان فيها نفع لك ولهذا الأخ الذي تحبه، فليقويها الله تبارك وتعالى وليبارك فيها ولتكون نافعة ومفيدة لكما معًا في الأنس بالله تعالى، والتقرب أكثر وأكثر من الله -عز وجل-.

أما إن كانت علاقة دنيوية كنوع من الإعجاب أو نوع من الميل النفسي الجسدي المبطن بظاهر الإسلام، والمحبة في الله تعالى، فأنت تدعو الله تعالى أن يعافيك من ذلك، لأنها قطعًا ستؤدي إلى معصية الله تعالى.

واعلم -أخي الكريم- أن المحبة من الله تبارك وتعالى، وأن البغض من الله، وأن الناس لا يملكون قلوبهم، وهذا ما قاله النبي صلوات ربي وسلامه عليه بقوله: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء)، وقال أيضًا صلوات ربي وسلامه عليه: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).

فإذن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق الأشياء وخلق خواصها، وتجد أحيانًا إنسانا تنظر إليه فتحبه من أول نظرة، رغم أنك لم تتعامل معه مطلقًا، وأحيانًا قد يكون الإنسان ابن أبيك وأمك ويعيش معك في نفس البيت، وتحت نفس السقف، إلا أنك تشعر بأن علاقتك معه علاقة فاترة، أو علاقة تقليدية أو عادية، لماذا؟ لأن الميل القلبي هذا لا يملكه أحد، وإنما هو من الله الواحد الأحد -جل جلاله سبحانه-.

أرى أن تترك الأمر لله -تبارك وتعالى جل وعلا-، وأن لا تشغل بالك بهذا الموضوع نهائيًا، وأن تترك المسائل لأقدار الله -عز وجل-، وإذا ما بدأ العام الدراسي، وبدأ الأخ يتعامل معك فقطعًا سوف تتضح الرؤيا، ولكن أنصحك خلال هذه الفترة أن تتوجه إلى الله بالدعاء أن يفصل لك في هذه العلاقة، فإذا كانت له سبحانه وتعالى فليبارك فيها وليقويها وليدعمها، وإذا كانت لغيره فليخلصك منها وليصرفك عنها لأنك ستكون خاسرًا بسببها في الدنيا والآخرة، كما أخبر الله تبارك وتعالى بقوله: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين}.

فيجب عليك بارك الله فيك أن تنتبه لهذا الأمر، وأتمنى أن لا تشغل بالك مطلقًا، وهذه المدة الطويلة حتى وإن طالت لسنوات إذا كانت المحبة في الله تعالى فثق، وتأكد أنها لن تتأثر بهذا البعد.

أما إن كانت لغير الله تعالى فقطعًا سوف تتلاشى، وسيعافيك الله -تبارك وتعالى- منها، فأرجو أن لا تشغل بالك بهذه المسألة، وإنما كما ذكرت لك عليك بالدعاء أن يفصل الله لك في حقيقة هذا التعلق القلبي، لاحتمال أن يكون تعلقًا غير مشروع فتخسر بسببه دنياك وآخرتك والعياذ بالله تعالى.

أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يعينك على فعل ما يرضيه، وأن يجعلنا وإياك وسائر المسلمين من المتحابين فيه المتزاورين فيه الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر عبده ابو الدهب

    بسم الله الرحمن الرحيم جزا الله خيرا السائل الكريم و مشايخنا الاجلاء على هذه الافاده وهذه الاجابة النيره التى اسال الله تعالى ان يجعلها فى ميزان حسناتكم فهذا الموضوع رايت له قصصا كثيرة مشابهة فى حياتى مع اخوانى هنا وهناك ولم اكن ادرى الصحيح من الخطا فجزاكم الله خيرا على التوضيح وهدانا الله جميعا الى الاخوة الصحيحة والمحبة الحقيقيه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً