الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس عقدية وضعف ثقة بالنفس وعادة سرية.. فما النصيحة؟!

السؤال

‎السلام عليكم

‎أنا شاب أبلغ من العمر 19 سنة، أحببت أن أطلب مساعدتكم في حل أكثر من مشكلة عندي سببت لي عقدة:

‎الأولى: بدأت تراودني أفكار وتساؤلات في عقيدتي وإيماني وبدأ الوسواس يهمس في أذني كثيرا عن الله، وعن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الدين الإسلامي -والعياذ بالله-، وثقتي بالله أحسها بدأت تضعف -أستغفر الله-، فما الطريقة لأبعد هذه الوساوس، وأقوي إيماني وعقيدتي وأربطها بشكل صحيح؟ علماً بأنها تسبب لي الاكتئاب والحزن -لا أذاقكم الله إياها-.

‎أما الثانية: فقد صرت إنسانا سلبيا وحزينا ومكتئبا وثقتي في نفسي ضعيفة، وشخصيتي ونفسي لا أكاد أعرفها؛ فأصبحت أقارن نفسي مع غيري وأتحطم، وهمتي وعزمي على الدراسة ضعف!

علماً بأني كنت إنسانا متميزا في التعليم العام، ولا أحب إلا النجاح والتفوق والمراتب العليا، فما الحل لكي أكون إنسانا إيجابيا وقوي الثقة في نفسي، وأكتشف شخصيتي وأتمسك بها، وأكون إنسانا سعيدا مبتهجا وأرجع لطبيعتي كالسابق؟ الله يسعدكم.

‎أما الثالثة: أنا قوي التركيز وقوي الحفظ وسريع الفهم والاستيعاب، ومنذ سنة تقريباً بدأت ألاحظ ضياع هذه النعمة ولم أعد كما كنت، علماً بأني -والعياذ بالله- أمارس العادة السرية فلا أدري إذا كانت سببا لذلك، وزيادة عليها الاستخدام المتواصل للايفون والابتوب، فأصبحت بطيء الفهم، وبطيء الاستيعاب، وكثرت تساؤلاتي الغبية مثلاً عن أمور أعرفها وسهلة أبدأ بالبحث عنها في رأسي وتفسيرها إلى أن أصل إلى فراغ بحيث لا أستطيع أن أكمل، والحين سؤالي هل الذكاء يذهب ولا يحتاج إلى وقت ويعود؟ وهل هناك أمور ترجعه كالسابق وأحسن؟ وفقكم الله.

ما رأيكم في التحاقي بحلقة حفظ قرآن وأنا طالب جامعي، هل يتعارض مع دراستي، وتعلمي للإنجليزي؟ علماً بأني طالب هندسة -الحمد لله- سنة أولى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عضو بالموقع حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تتضمن رسالتك عدة مشاكل:

المشكلة الأولى: الوساوس والأفكار التي تراودك في عقيدتك ودينك وضعف ثقتك بالله تعالى.

اعلم أن الوسواس مرض قد يتعرض له كل واحد منا، منه ما يكون في أمور الدين والعقيدة والعبادة، ومنه ما يكون في أمور الدنيا، وفي كلا الحالتين يحتاج علاجه إلى الوعي وقوة الإرادة، وعدم الانجراف وراء تصديق الوساوس والتركيز عليها.

المفتاح الأساسي لحل هذه المشكلة هو التقرب من الله سبحانه وتعالى لذا أنصحك بما يلي:

1- حضور مجالس العلم لداعية مقرب إليك، وتحب أسلوبه، إما شخصياً وهذا الأفضل، وإن لم تتمكن فمن خلال النت أو السي دي أو قراءة الكتب، واختر موضوعات تقوي إيمانك بالله سبحانه وتعالى، وتعزز ثقتك به سبحانه، مثلا شرح أسماء الله الحسنى، الإعجاز القرآني، التفكر في عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وغير ذلك من الموضوعات التي تعظم الخالق سبحانه في نفسك.

2- لا تثقل على نفسك وتكثر لومها لما يعتريها من الوساوس، فاطمئن أنك لست آثماً بسبب هذه الوساوس؛ لأنها تأتي قهرية، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز عن أمتى ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) متفق عليه.

3- مجرد أن تخطر في بالك هذه الخواطر والوساوس تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وركز تفكيرك على أشياء أخرى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لايزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيء فليقل آمنت بالله ورسله) متفق عليه. وفي رواية أخرى: (فليستعذ بالله ولينته) رواه مسلم.

4- اعلم أن الوسوسة ليست ضعفاً بالإيمان، فقد كانت تعتري الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما هي من عمل الشيطان يعترض سبيل المؤمن فيلقي بخاطره وأفكاره ما يبعده عن الله سبحانه وتعالى، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، إنَّ أحدنا يجد في نفسه يُعرِّض بالشيء؛ لأنْ يكون حُمَمَة أحبُّ إليه من أنْ يتكلم به؟"، فقال: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة))؛ رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه: "إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟"، قال: ((وقد وجدتموه؟))، قالوا: "نعم"، قال: ((ذاك صريحُ الإيمان)) رواه مسلم.

يقول النووى: وظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها من غير استدلال ولا نظر فى إبطالها, فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر فى دليل إذ لا أصل له ينظر فيه, وأما قوله: فليستعذ بالله ولينته, فمعناه: إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى فى دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك, وليبادر إلى قطعه بالاشتغال بغيره.

5- أكثر من الذكر والاستغفار، واجعل لنفسك ورداً من القرآن الكريم، وحافظ على الصلوات في جماعة، وأكثر من الصحبة الصالحة التي تأخذ بيدك إلى طريق الهداية والرشاد، ولا تكثر الاختلاء بنفسك.

المشكلة الثانية: ذكرت أنك أصبحت سلبياً وحزينا ومكتئباً ضعيف الشخصية والثقة بنفسك، وتراجعت دراسياً بعد أن كنت من المتفوقين، وقلت لعل مرد ذلك كله يعود إلى ممارسة العادة السرية، ففي ممارستها ذنب وإثم كبير يغضب الله سبحانه وتعالى، ويورثك ضيقاً وضنكاً في الحياة.

أقول: كل ما يصد عن ذكر الله، ويمنعك من قراءة القرآن والصلاة فإنه يورث الضيق قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً) [سورة طه:124، 125].

كما ذكر الباحثون أن في بعض حالات ممارسة العادة السرية تأثيراً على فقدان القدرة على التركيز الذهني، وتناقص القدرة على الحفظ والفهم والاستيعاب حتى ينتج عن ذلك شتات في الذهن وضعف في الذاكرة، وعدم القدرة على مجاراة الآخرين وفهم الأمور فهما صحيحا، فمن كان مجداً في دراسته سيلحظ تراجعاً لافتاً في دراسته؛ مما يسبب له القلق وينخفض مستواه العلمي؛ وذلك لأنه ذهنه يصبح مركزا على الجنس وعلى المثيرات.

أنصحك بـأن تكثر من الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلام؛ ففيهما المخرج للهموم والكروب، وبهما تُمحى الذنوب بإذن الله، وأكثر من الصدقات فالصدقة تُطفئ غضب الرب.

لا تعارض بين الدراسة وبين الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن؛ فإنها تساعدك في دراستك، وفي توازن شخصيتك الإيمانية.

أسأل الله أن يرزقك الهداية والرشاد، ويجعلك من أهل الفلاح في الدارين، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق علي من العراق

    احسنتم على هذا العمل الخير
    اتمنا لكم الموفقية

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً