الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من الأفكار الوهمية التي تراودني وأعيش حياة سعيدة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 29 عاما، ناجح في عملي ولديّ مرتب عالٍ -والحمد الله-، أصلي جميع الصلوات، وأقوم بكامل الفرائض, أيام المدرسة والجامعة كنت شابا خجولا جدا، ولم أكن اجتماعيا، ولم يكن لديّ أصحاب مقربين بكثرة، قضيت العديد من عطلات نهاية الأسبوع بمفردي، أتجول في الشوارع، أو أخرج مع عائلتي, لم تكن هناك أي مشاكل مع عائلتي، أو غيرهم، فكانت علاقتي طيبة بالجميع.

أما في الحاضر فقد تغير أسلوب حياتي، فأنا الآن مغترب، وأعيش بعيدا عن أهلي وأقاربي، لي أصحاب كثر، أخرج معهم في نهاية كل أسبوع، رغم أنني لا زلت أميل للوحدة والسكوت وعدم الكلام، وعدم الخروج معهم، ولكنني أحاول على منع نفسي من ذلك.

مشكلتي الآن من الماضي، وما زالت مستمرة إلى الحاضر، حيث أنني أعاني من خوف وتوتر دائم، ووساوس مختلفة في عقلي، ممكن أن تكون غير منطقية أو خيالية، أو أفكار تسبب لي الزعل والإحراج، أو التعب من قلة النوم، والعديد من الأفكار الغريبة والسخيفة، يصاحبه خوف وتوتر، وسرعة في نبضات القلب، ومزاج سيء.

بدأت هذه الأفكار عندما كنت في السابعة عشر من عمري، عندما كنت ذاهب لمعهد اللغة الإنجليزية في الثانوية العامة، وفجأة جائتني فكرة أن الناس والدنيا هم عبارة عن أوهام يتخيلها عقلي، فيصحبني شعور بالوحدة والخوف الشديد، وأدخل في دومات لإقناع نفسي بعدم صحة هذا الشيء، ويقوم الوسواس بإقناعي بعكس تلك الأفكار، فأدخل بخوف وقلق شديد، ثم تأتيني فكرة جديدة بأن كل الماضي والأحداث قبل تلك الفكرة كانت عبارة عن خيال، وهذه الفكرة تشعرني بالقلق الشديد، وأقوم بمقاومة الفكرة عن طريق تذكر مواقف في الماضي قبل تلك الفكرة.

مع هذه الأفكار يصبيني الأرق، فلا أستطيع النوم مجددا، وأدخل في دوامة جديدة من الصراعات بيني وبين الأفكار، أذكر أنني شاهدت فيلما سينمائيا كانت فكرته قريبة للوسواس نوعا ما.

استمرت هذه الحالة فترة من الزمن لا أذكرها فعليا، حتى مرت الأيام والسنين، ولم أعد أعاني من تلك الأفكار الغير منطقية، ولكن ما زال هنالك وسواس بأفكار عادية خفيفة.

ولكن منذ ما يقارب الخمسة أشهر جائتني فكرة جديدة سيئة ومزعجة وشريرة، ثم أصابني الأرق, استمرت هذه الحالة ولكن بوتيرة خفيفة، ثم بعد شهرين خرجت مع عائلتي في إجازة كانت نفس الفكرة المزعجة موجودة خاصة في فترة المساء، وكان يصيبني الأرق، ورغم القلق والتعب إلا أنني قضيت وقتا ممتعا حتى انتهت الإجازة وعدت لغربتي وحدي، ووصلت في وقت متأخر من الليل، وعندما ذهبت للنوم راودتني أفكار بأني لن أستطيع النوم مجددا.

أعلم أنها أفكار سخيفة وغير منطقية، وكلامي يناقض نفسه، لكن ما زلت أفكر باستمرار، والوسواس يستمر بمحاولة إقناعي، وأنا أقاومه، ويحاول الوسواس إقناعي بعدة طرق منها:

1- بأن أفكر وأتنبأ بشيء ما، ثم يحدث هذا الشيء، مثلاً اليوم جاءتني فكرة جديدة بتنبؤ ثلاث أرقام من لوحات السيارات، ولقد وجدت سيارتين لديهم هذا الرقم في اليوم ذاته.

2- بأن روحي محبوسة في جسدي (شعور غريب ومعقد ومخيف).

3- بأن كل الماضي هو عبارة عن وهم.

4- عندما أحاول إقناع نفسي بأن الماضي ليس وهم، أتذكر الماضي فيحاول الوسواس إقناعي بالعكس.

5- الوسواس يستخدام أي موقف حصل في الماضي ولم أذكره تماما ويقنعني بأنه من الخيال.

6- حاليا تأتيني فكرة بأن ما أكتبه عن الماضي من خيالي.

يرجى مساعدتي، فأنا أريد حياة طبيعية، وأريد حلا نهائيا لمشكلتي لكي أستمر في الحياة، فهذه أول مرة في حياتي أناقش هذه الأفكار خارج نطاق عقلي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وقد تدارستُ رسالتك بكل تفاصيلها، وهي رسالة حقيقة واضحة جدًّا، ولا شك أبدًا في أنك تعاني من وساوس قهرية، وبكل أسف أنت تعايشتَ مع هذه الوساوس لفترة طويلة، والوسواس يجب ألَّا يكون صديقًا لأي أحد.

الإشكالية الأخرى هي: أنك بذلت جهدًا كبيرًا في محاورة الوسواس، والوسواس مرض ذكي، تُحاوره من زاوية يأتيك من زاوية أخرى، وهكذا يتأصَّل ويكون مُطبقًا على الإنسان بهذه الكيفية، والوسواس أيضًا يسعى لأن يقنع صاحبه بأنه صحيح، وأن كل ما يقوله الآخر -من أطباء وغيرهم- ليس أمرًا صحيحًا، وقطعًا الوسواس يُثير الفضول عند الإنسان، ويجعله يستكشف عالم الخيالات هذه والأفكار الغريبة المتسلطة والمستحوذة.

أخي الكريم: أنا لا ألومك أبدًا على ما أنت فيه، على العكس تمامًا، أنا أتعاطف معك جدًّا، لكن أقول لك: يجب ألَّا تتردد لحظة واحدة في علاج هذه الوساوس، يجب أن تذهب إلى الطبيب النفسي.

الوساوس القهرية تستجيب للعلاج الدوائي إذا كان العلاج صحيحًا، وبالجرعة المطلوبة، وللمدة المحددة والالتزام بها.

النتائج رائعة، رائعة جدًّا -أخي الكريم- فأرجو ألَّا تتأخَّر، أرجو ألَّا يقنعك الوسواس بأنه شيء آخر، وأن علاجك ليس طبيًا، علاجك علاجًا طبيًا نفسيًا، ولا شك أن الوساوس أحد مكوناتها الرئيسية وانفجارها هي شخصية الإنسان وبناءه النفسي وتكوينه الكيميائي فيما يتعلق بما يُعرف بـ (الموصِّلات العصبية الدماغية).

فيا أخي الكريم: أرجو أن تذهب إلى طبيب، وأنت تحتاج لدواء أو لدوائين، أعتقد أن (بروزاك) بجرعة مكثَّفة نسبيًا، يُضاف إليه جرعة صغيرة من عقار (رزبريادون)، سيكونُ حلًّا أساسيًا لمشكلتك هذه.

قطعًا الدواء يحتاج لتدعيم سلوكي، وأنت على خبرة وإدراك بذلك. أول ما تقوم به: يجب أن تُحقِّر الوسواس، وتتجاهله، وألَّا تحاوره، وألَّا تُناقشه، وألَّا تُشرِّحه، وألَّا تُفصِّله. هذا هو الذي أنصحك به.
والنقطة الأخرى ما أسميه بصرف الانتباه عن الوساوس، وذلك بأن تسعى في أن تجعل حياتك عامرة، تستفيد من وقتك، تتجنب الفراغ الذهني والفراغ الزمني، تمارس الرياضة، تتواصل اجتماعيًا، تطوّر مهاراتك العملية، -أخي الكريم-: يكون لك رؤية إيجابية مُدركة حول المستقبل.

بهذه الطريقة -أخي الكريم- تستطيع أن تتخلص تمامًا عن وساوسك، فأرجو ألَّا تعيش مع هذا الوسواس أكثر من ذلك، -وإن شاء الله تعالى- يأتي الفرج، ويزول عنك تمامًا هذا الوسواس.

أنا سعيد جدًّا في أنك قد خاطبتني -أيها الفاضل الكريم- لأني أعرف أن هذه الحالات يمكن علاجها، وعلاجها بصورة فاعلة جدًّا.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الغابون الحسين بهدل

    السلام عليكم، عمري 26 سنة و أعاني نسبة مما يعانيه الشخص الذي طرح مشكلته لكني لا أحسن التعبير مما اعاني لكن قد استفدت من الجواب و شكرا لكم

  • مجهول منال

    نفس الافكار اخي ارجو لنا الشفاءالعاجل

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً