الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أنصح أمي دون أن أغضبها؟

السؤال

السلام عليكم.

أريد حلًا لمشكلتي، وأخاف أن أدخل بعقوق الوالدين، وبنفس الوقت أخاف على والدتي من أنها تظلم.

والدتي للأسف الشديد تفرق بين الأحفاد والأولاد، وأنا محايدة تماما، لكن ألاحظ وبشدة تحيزها لأختي وأولادها؛ لأن حالتهم الاجتماعية صعبة، لكن هذا لا يبرر الظلم أبدا.

عندما أكلمها في الأمر، أو عندما يحدث موقف تظلم فيه أحدا فإنها تتهمني بالكذب والضلال، فأرد عليها: إن كنتُ كاذبة فأنا مستعدة لأن أحلف على القرآن، وهي تعرف بقرارة نفسها أني لم أكذب ولم أشهد إلا بالحق، فتسكت قليلا ومن ثم تستمر وتصر على الظلم، والمشكلة أنها تغضب علي وتزعل مني.

والله إني لا أستطيع أن أرى الظلم بعيني وأسكت، ودائما أذكرها بالله والخوف منه، فترد علي: بأني أنا التي لا أخاف الله، وتقول لي كلاما جارحا جدا، وأشعر بأني لا أستطيع أن أسامحها، وبنفس الوقت أنا خائفة عليها، فعندما تظلم إخوتي فإنهم لا يردون عليها، ولكنهم لا يسامحونها، حتى صارت قلوبهم غليظة عليها، مع أنها والله متدينة، وطيبة، ولكن عاطفتها تغلب عليها كثيرا، لدرجة أنها لا ترى الحق!

أرجوكم ساعدوني كيف أساعد أمي وأنصحها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Tah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نشكر لك حرصك على بر أُمّك والإحسان إليها وتجنيبها ما قد يكون سببًا للإثم، ولكن ينبغي أن تعلمي - أيتها البنت الكريمة - أن الوالدين ليس كغيرهما من الناس، وأن حقّهما عظيمٌ جدًّا، فالله تعالى قرن حقّهما بحقه سبحانه وتعالى، فقال: {وقضى ربك ألَّا تعبدوا إلَّا إياه وبالوالدين إحسانًا}، وأمر بالإحسان إليهما ومعاشرتهما بالمعروف في أشد الحالات التي يصدر منهما إيذاء للولد، فقال سبحانه وتعالى: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تُطعمهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا}.

ولهذا يجب الحذر من أي مظهر من مظاهر العقوق للوالدين، بالكلمة وغيره، وقد نهى الله تعالى الولد أن يقول لهما (أف) ولو كان ثمّ كلمة أصغر من (أفٍّ) لنهى عنها.

ثم على فرض أن أُمّك وقعت في شيء من المحرم أو المكروه فإن الواجب عليك أن تنصحيها بالمعروف، دون إغضابٍ لها، ولذلك يقول العلماء: الولد يأمر والده بالمعروف وينهاه عن المنكر، فإذا غضبَ الوالد سكت الولد، فلا يجوز له أن يستمر في الإنكار عليه لما يفعله من محرّم إذا كان قد غضب، لأن غضب الوالد أو الوالدة مُنكر آخر، وكبيرة من كبائر الذنوب، وهو العقوق.

فإذًا احذري من أن يستدرجك الشيطان للوقوع في عقوق أمك والإساءة إليها تحت مبرر الخوف عليها من النار والخوف عليها من الإثم، فخافي على نفسك أولاً، وهذا لا يمنع أن تتلطفي بأُمّك وتُحسني معها العبارة برفقٍ ولين، لتنبيهها على الخطأ إذا هي أخطأت، ونحن على ثقة تامّة من أنها إذا وجدتْ منك هذا الأسلوب فإنها لا تغضب عليك.

وأمَّا ما وصفته من أنها تتعاطف بشكل أكبر مع بعض أبنائها وأحفادها لظروفهم الخاصة، لكونهم أشد حاجة: فهذا في الحقيقة ليس ظلمًا منها للباقين، فيجوز للوالد أن يُفضل بعض الأولاد لمبرّرٍ ولمسوّغٍ شرعي، منها الحاجة. ثم إن أكثر العلماء يرون أنه لا يجب على الوالد - أو الوالدة - المساواة بين الأبناء والبنات فيما يُعطونهم أو نحو ذلك. هذا مذهب أكثر العلماء، حتى عند عدم وجود المبرر والمسوّغ.

فإذا فهمت هذا علمتِ أن ما تفعلينه أنت مع أمك من الإنكار والإغلاظ عليها خطأ كبير، ينبغي أن تتفقهي في دينك، وتعرفي ما الذي يجب عليك أن تُنكريه على أمك وما الذي لا يجب، وماذا تفعلين عند الإنكار؛ حتى لا تقعي في مخالفاتٍ شرعية.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً