الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين الوساطة للتوظيف في جهة خاصة أو حكومية

السؤال

ذكرتم بارك الله فيكم في الفتوى رقم: 2343750، أن الوساطة من أجل التوظيف جائزة إذا كان الشخص الذي يُراد له أن يتقلد الوظيفة من أهل الكفاءة ويستطيع أن يقوم بها، وذكرتم في فتاوى أخرى بتصرف يسير مني أن حكم الواسطة والشفاعة من أجل التوظيف ينقسم إلى قسمين: إما أن تكون في القطاع العام الحكومي أو في القطاع الخاص، فإن كانت في القطاع العام فإنه لا تجوز فيها الوساطة إذا كان فيها توظيف من ليس مستحقاً أو أهلاً لها، أو تقديم الأدنى على الأعلى منه كفاءة، وهذا إذا كان التوظيف مبنيا على وجه المسابقة كما هو حال الوظائف الحكومية اليوم, ولأنها مبنية على الأصلح، والكفاءة المعتبرة للعمل هي الكفاءة الذاتية وليست الدرجة التي في شهادته، فلو علمت كفاءة شخص وكونه أجدر من غيره فإنه يقدم ولو كان هناك من يحمل شهادة أعلى منه أو أكثر درجة، والسبب في ذلك أن في هذه الوظائف حقوقا عامة لجميع المسلمين، والمطلوب من المتصرف فيها أن يتصرف بالأصلح، وأما إذا كانت في القطاع الخاص فإنه تجوز فيها الشفاعة لمن هو أهل لها ولو كان دون غيره من المتقدمين بشرط أن لا يكون في ذلك غش لصاحب العمل، بل يعرف مستوى المتقدم، وحينئذ لو قبل توظيفه واستبعد من هو أجدر منه فالأمر راجع إليه ـ لا أدري هل تقصدون صاحب العمل أم الموظف صاحب الشفاعة ـ فلا يلزمه توظيف شخص بعينه، وهذا إذا لم يطرح صاحب المؤسسة والشركة الخاصة طلب التوظيف على سبيل المسابقة، بل على سبيل الكفاءة فقط ويكفي في ذلك أن يكون الإذن بالتلميح والسكوت دون التصريح، والسؤال: ألا تتعارض الفتوى الأولى مع الفتوى الثانية؟ والسؤال الثاني وهو مرتبط بالأول: قد ذكر الشيخ زيد الغنام في بحثه المنشور على النت عن أمثلة الشفاعة الحسنة وقال: وفي عصرنا الحاضر ظهرت مجالات مباحة شرعاً يحتاج الناس فيها إلى الشفاعة الحسنة، تقاس على ما سبق ذكره، مثل: الشفاعة للقبول في الدراسة، والشفاعة للتعيين على وظيفة، والشفاعة من أجل الحصول على العلاج، والحصول على العطاء من الحاكم، والشفاعة في العفو عن الموظف المستحق للعقوبة النظامية، والشفاعة من أجل رفع الغياب عن الموظف أو الطالب، وغير ذلك كثير... انتهى ـ وسؤالي: هل أمثلة الشيخ صحيحة، وضَحوا لي جزاكم الله خيراً؟.
السؤال الثالث وهو مرتبط بالثاني: قال الشيخ زيد الغنام في بحثه المنشور على النت: من المسائل التي تقع في مجال الشفاعة ويحتاج الناس لبيان حكمها مسألة التفضيل في الشفاعة، ويمكن جعل ذلك في جانبين:
الجانب الأول: التفضيل من قبل الشافع: وصورته أن يوجد شخص صاحب جاه وقدر، ويتقدم له أكثر من شخص يطلبون شفاعته في أمر ما، وكلهم مستحق لهذه الشفاعة، فهل له أن يشفع لمن يريد ويفضله على غيره لاعتبارات معينة؟ أو يلزمه العدل بينهم بأن يشفع لهم جميعاً أو يترك شفاعتهم جميعاً.
الجانب الثاني: التفضيل من قبل المشفوع إليه في حق المشفوع له، وصورته أن تحصل شفاعة في أمر ما لأكثر من شخص، كأن يشفع شخص لتسجيل أكثر من طالب في مدرسة، أو يشفع لأكثر من طالب في رفع الغياب عنهم، أو لإعطائهم بعض الدرجات لنجاحهم، وهنا هل يجب على المشفوع إليه أن يعدل بينهم بأن يقبل الشفاعة لهم كلهم؟ أو لا يجب ويقبل في بعضهم دون بعض، ثم هل يجب عليه أن يعامل الطلبة الذين لم يشفع لهم مثل معاملته للمشفوع لهم في رفع الغياب ونحو ذلك، وبعد البحث لم أجد كلاماً صريحاً للفقهاء في هذه المسألة وعند التأمل يمكن القول بجواز التفضيل في الجانبين معاً، وأنه لا يجب العدل في الشفاعة، فللشافع أن يختار من يشفع له، وللمشفوع إليه أن يقبل الشفاعة لبعض المشفوع لهم دون بعض، ويستدل لذلك بما يأتي:
1ـ أن الشفاعة وقبولها إحسان وتبرع، والعدل غير لازم في مجال التبرعات، كما قال الله تعالى: مّا عّلّى پًمٍحًسٌنٌينّ مٌن سّبٌيلُ.
2ـ أن هناك صفات توجد في بعض المشفوع لهم ترجح جانبه في التفضيل، كأن يكون أقرب رحماً، أو أشد حاجة، أو أكثر صلاحاً، أو أكفأ ونحو ذلك، وهذا مثل ما نص عليه بعض الفقهاء من أن الأب له أن يخص ويفضل المشتغلين بالعلم، أو ذوي الصلاح أو المرضى، أو من له فضل من أولاده في الانتفاع بالوقف، وكذلك ذكروا تقديم الأفضل في المناصب، وتقديم ذوي الضرورة على ذوي الحاجة وتقديم ذوي الحاجة الماسة على ما دونها، والتفضيل بسبب هذه الاعتبارات ونحوها له أصل في الشرع، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: الصدقةٍ على القريبٌ صّدقة وصٌلّة.
3ـ أن الذين لم يشفع لهم أو لم تقبل فيهم الشفاعة لم يظلموا ولم يعتد على حقهم، فمثلاً الطالب أو الموظف الذي لم يرفع غيابه ولم تقبل فيه الشفاعة لم يظلم في حقيقة الأمر، وليس له أن يقول لماذا قبلت الشفاعة لفلان ولم تقبل لي؟ وهكذا...انتهى.
والسؤال: هل كلام الشيخ سليم أو لا إشكال في تقليده؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تضمن سؤالك ثلاثة أمور:

أولها عن الفتويين المشار إليهما هل بينهما تعارض أم لا؟ والجواب أنه لا تعارض، لأن الأولى فيها إجمال لضابط الشفاعة للحصول على وظيفة بناء على سؤال السائل عن حكم ذلك، كما في الفتوى رقم: 34837.

وأما الفتوى الثانية رقم: 97529، ففيها تفصيل وتفريق بين المؤسسات الخاصة التي يكون فيها الحق لصاحبها ومالكها فيعين من يختار ولو كان أقل كفاءة من غيره، وتجوز الوساطة في ذلك وبين ما إذا كانت المؤسسة أو جهة العمل عامة فيكون الحق فيها للجميع ولا يجوز تقديم شخص أقل كفاءة على من هو أكثر منه كفاءة وخبرة ولا يجوز التوسط في ذلك، لكن لو لم تكن مسابقة وسعى شافع لمن يعلم مؤهلاته وقدراته لشغل وظيفة يتقنها فلا حرج في ذلك ولا يلزمه الانتظار حتى تجرى مسابقة ليعلم هل هنالك من هو أكثر منه كفاءة وعلى كل، فلا تعارض بين الفتويين وكل واحدة منهما تطابق السؤال الذي كانت جوابا عنه.

والأمر الثاني مما تضمنه سؤالك عما ذكر في الكتاب من أنواع الشفاعات الحسنة في الوقت الحاضر وضرب أمثلة منها الشفاعة للتعيين في وظيفة أو القبول في دراسة ونحوه وهو صحيح، لكنه مجمل فالشفاعة للتعيين في وظيفة مثلا لها ضوابط بيناها في الفتويين السابقتين وهكذا.

وأما الأمر الثالث: وهو حول بعض ما ذكر في الكتاب عن مسألة عدم لزوم العدل بين المشفوع فيهم من قبل الشافع أو المشفوع إليه فالظاهر أن ما ذكره الباحث صحيح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني