الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يصيب العبد نتيجة قرار خاطئ هل هو خير له

السؤال

أريد أن أسأل عن معنى القضاء والقدر وهل كل ما يصيب الإنسان خير له حتى لو كان قرارا خطأ في حياته؟؟ فأنا قد اتخذت قرارا مصيريا في حياتي وكنت حينها أظن أن مصلحتي في ذلك القرار أو في تلك الوظيفة وكنت حينها قدمت أوراقي لوظيفتين وصليت الاستخارة للوظيفة التي لم أوفق فيها ولم أصل الاستخارة لهذه الوظيفة ولكن حين قبولي صليت الاستخارة قبل توقيع العقد معهم. الآن سيتم إنهاء عقدي بعد شهرين أنا أعول أسرتي وأشعر أنني اتخذت القرار الخطأ بقبولي بهذه الوظيفة واستقالتي من عملي الذي دام سنين وكنت آمل أن أحسن من وضعي أكثر بقبولي بوظيفتي الحالية والتي لن تستمر.
هل صحيح أن كل ما يحصل للإنسان خير له حتى لو لم يصل الاستخارة؟ حتى لو اتخذ قرارا كان يظن أنه لصالحه ثم يكتشف أنه ليس لصالحه؟ هل اتخاذ القرار الخطأ من القضاء والقدر؟؟ وهل يدخل هذا الشيء في نطاق " كل أمر ابن آدم خير له"

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما من شيء في هذا الكون - خيرا كان أو شرا - إلا كائن بقضاء الله وقدره، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}. وقد سبق لنا بيان معنى القضاء والقدر وثمرة الإيمان بهما في الفتويين التاليتين: 20434 - 67357. وما يقضي الله لعبده المؤمن قضاء فيتعامل معه كما أمره الله تعالى إلا كان خيرا له، فإنه وإن كان في ظاهره محنة فإنه يحمل في طياته منحة. وراجع الفتويين 16940 - 31702. فما على المسلم بعد ذلك إلا أن يرضى ويسلّم، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11}، قال قتادة عن هذه الآية: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلّم. اهـ.

وينبغي للمسلم قبل الإقدام على الفعل المعين أن يتخذ الأسباب الكافية ثم يفوض أمره إلى الله، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". فقوله: احرص على ما ينفعك، فيه الأمر بالأخذ بالأسباب المشروعة. وقوله : واستعن بالله. فيه تفويض الأمور إلى الله تعالى. وقوله: ولا تقل لو أني..... فيه استشراف المستقبل وعدم الالتفات إلى الماضي.
وصلاة الاستخارة من الأسباب التي ينبغي أن تتخذ بين يدي ما يريد المسلم أن يقدم عليه، وهي مستحبة وليس بلازمة، وقد يوفق المسلم إلى الخير ولو لم تحصل منه استخارة. ويراجع في كيفية الاستخارة الفتوى رقم: 103976. وحقيقة الاستخارة تفويض الأمر إلى الله تعالى ليختار لعبده ما هو أصلح له. ولكن قد لا يأتي المسلم الاستخارة على وجهها الصحيح، بل يكون فيها نوع من الخلل، كأن يأتي المرء الاستخارة وله ميل إلى شيء ورغبة فيه فيقدم عليه لأجل ذلك. ومن آداب الاستخارة أن لا يكون لصاحبها ميل أو هوى إلى جانب معين، وانظر في هذا فتوانا رقم: 117902. والمقصود أن نتهم أنفسنا بالتقصير، وإلا فأمر الله جار على صراط مستقيم.

وفي الختام ننصحك بالاجتهاد في البحث عن عمل آخر، وما صُرفت عنه قد لا يكون لك فيه خير، وقد يكون رب العزة سبحانه يدخر لك ما هو أفضل فتوجهي إليه واسأليه بتضرع وخشوع، قال تعالى: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {النساء:32}، وقال أيضا: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني