الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تولية شارب الخمر أمور المسلمين

السؤال

هل يجوز أن يتولى شارب الخمر أمر المسلمين؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من شروط عقد الإمامة في حال الاختيار عند جمهور العلماء أن يكون الإمام عدلا، قال القرطبي في ذكر شروط الإمامة: أن يكون عدلا، لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق، ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم. اهـ.

وقال الجويني: فأما التقوى والورع، فلا بد منهما، إذ لا يوثق بفاسق في الشهادة على فلس، فكيف يولى أمور المسلمين كافة والأب الفاسق مع فرط حدبه وإشفاقه على ولده لا يعتمد في مال ولده، فكيف يؤتمن في الإمامة العظمى فاسق لا يتقي الله؟ ومن لم يقاوم عقله هواه ونفسه الأمارة بالسوء، ولم ينتهض رأيه بسياسة نفسه فأنى يصلح لسياسة خطة الإسلام. اهـ.

وشرب الخمر فسق ينافي العدالة، فلا تصح أن تعقد الإمامة لشارب الخمر ابتداء، لكن إذا غلب على الناس وتمكن فهنا تنعقد له الإمامة، وكذا إذا طرأ الفسق على الإمام فإنه لا ينعزل بذلك، قال السفاريني في الدرة المضية في تعداده لشروط الإمامة:

وشرطه الإسلام والحرية * عدالة سمع مع الدرية

وأن يكون من قريش عالماً * مكلفاً ذا خبرة وحاكما.

قال في شرحه: عدالة ـ لاشتراط ذلك في ولاية القضاء وهي دون الإمامة العظمى، نعم إن قهر الناس غير عدل فهو إمام كما تقدم نص الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ في مثل ذلك يعني قول الإمام أحمد في رواية عبدوس بن مالك العطار: ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا. اهـ.

وقال ابن عثيمين في شرحه: والعدالة هي العدل، أي أن يكون عدلاً، والعدالة في اللغة هي: الاستقامة، وفي الشرع هي: الاستقامة في الدين والمروءة، يعني أن يكون مؤدياً للفرائض، مجتنباً للكبائر، ذا مروءة من الكرم والشجاعة والحزم واليقظة وما أشبه ذلك، فإذا لم يكن مستقيماً في دينه فإنه لا يجوز أن يولى، وهذا الشرط شرط للابتداء، أي العدالة شرط للابتداء بمعنى أننا لا نوليه وهو غير عدل إذا كان الأمر باختيارنا، أما من ملك وصار خليفة، فإن العدالة ليست شرطاً فيه، ولهذا أذعن المسلمون للخلفاء ذوي الفسوق والفجور، مع فسقهم وفجورهم وخلاعة بعضهم، وانحراف بعضهم في الدين، إلا أنه انحراف لا يصل إلى الكفر. اهـ.

وقال الشربيني في تعداده لشروط الإمام: كونه عدلا، ولو ذكره بدل مسلما لعلم منه كونه مسلما، قال الشيخ عز الدين: وإذا تعذرت العدالة في الأئمة والحكام قدمنا أقلهم فسقا... واعلم أن هذه الشروط كما تعتبر في الابتداء تعتبر في الدوام إلا العدالة فإنه لا ينعزل بالفسق في الأصح وإلا الجنون المتقطع، إذا كان زمن الإفاقة أكثر، قاله الماوردي، وإلا في قطع إحدى اليدين أو الرجلين فلا يؤثر في الدوام، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 161055.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني