الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السخط على قضاء الله...رؤية شرعية

السؤال

هل السخط على قضاء الله كفر؟و ما هي كفارته؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالصبر على قضاء الله، وقدره بالمكروه، وعدم التسخط بقول: كرفع الصوت عند الموت، أو بفعل: كشق الجيب أو نتف الشعر، ونحو ذلك واجب، واختلف العلماء في وجوب الرضا القلبي على قولين وقد فصلهما ابن القيم في كتابه مدارج السالكين فقال: وهو يتكلم عن أعمال القلوب: وكذلك الصبر واجب باتفاق الأمة، قال الإمام أحمد: ذكر الله الصبر في تسعين موضعاً من القرآن أو بضعاً وتسعين، وله طرفان أيضاً واجب مستحق، وكمال مستحب. وأما المختلف فيه فكالرضا، فإن في وجوبه قولين للفقهاء والصوفية، والقولان لأصحاب أحمد، فمن أوجبه قال: السخط حرام، ولا خلاص عنه إلا بالرضا، وما لا خلاص عن الحرام إلا به فهو واجب، واحتجوا بأثر: من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سواي. ومن قال هو مستحب قال: لم يجيء الأمر به في القرآن، ولا في السنة بخلاف الصبر، فإن الله أمر به في مواضع كثيرة من كتابه....
وأما الرضا فإنما جاء في القرآن مدح أهله، والثناء عليهم لا الأمر به. قالوا: وأما الأثر المذكور فإسرائيلي لا يحتج به.
قالوا: وفي الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن استطعت أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره النفس خيراً كثيراً. وهو في بعض السنن.
قالوا: وأما قولكم لا خلاص عن السخط إلا به فليس بلا زم، فإن مراتب الناس في المقدور ثلاثة: الرضا وهو أعلاها، والسخط وهو أسفلها، والصبر عليه بدون الرضا به وهو أوسطها. فالأولى للمقربين السابقين، والثالثة للمقتصدين، والثانية للظالمين.
وكثير من الناس يصبر على المقدور فلا يسخط وهو غير راض به، فالرضا أمر آخر.
وقد أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم، وظن أنهما متباينان، وليس كما ظن، فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به راض به، والصائم في شهر رمضان في شدة الحر متألم بصومه راض به، والبخيل متألم بإخراج زكاة ماله راض بها. فالتألم كما لا ينافي الصبر لا ينافي الرضا به.
وهذا الخلاف بينهم إنما هو في الرضا بقضائه الكوني، وأما الرضا به رباً وإلهاً، والرضا بأمره الديني فمتفق على فرضيته، بل لا يصير العبد مسلماً إلا بهذا الرضا أن يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً.
انتهى كلام ابن القيم وهو غاية الروعة والدقة والجمال.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني