الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاحتجاج بالقدر بين الجواز وعدمه

السؤال

كيف نحتج بالقضاء والقدر على الأحداث والأشياء التي حدثت، وسوف تحدث، كما فعل النبيان آدم وموسى - عليهما الصلاة والسلام –؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنما يحسن الاحتجاج بالقدر في موضعين:

الأول: الاحتجاج به عند المصائب.

الثاني: الاحتجاج به على السيئات بعد وقوعها، والتوبة منها، وترك معاودتها.

أما الاحتجاج بالقدر على ما يفعله الإنسان من سيئات في حاله ومستقبله: فهذا باطل، وهو من جنس احتجاج المشركين به على شركهم.

وفي ضوء هذا يتضح معنى احتجاج آدم - عليه السلام - بالقدر.

قال ابن القيم - رحمه الله -: فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، وقال: إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة بقدره قبل خلقي، والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب، أي: أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة؟ هذا جواب شيخنا - رحمه الله -. وقد يتوجه آخر، وهو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع، ويضر في موضع، فينفع إذا احتج به بعد وقوعه، والتوبة منه، وترك معاودته، كما فعل آدم، فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد، ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع؛ لأنه لا يدفع بالقدر أمرًا ولا نهيًا، ولا يبطل به شريعة، بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد، والبراءة من الحول والقوة.

يوضحه أن آدم قال لموسى: أتلومني على أن عملت عملًا كان مكتوبًا علي قبل أن أخلق؟ فإذا أذنب الرجل ذنبًا ثم تاب منه توبة، وزال أمره حتى كأن لم يكن، فأنبه مؤنب عليه، ولامه حسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك، ويقول: هذا أمر كان قد قدر على قبل أن أخلق؛ فإنه لم يدفع بالقدر حقًّا، ولا ذكره حجة له على باطل، ولا محذور في الاحتجاج به.

وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به: ففي الحال والمستقبل، بأن يرتكب فعلًا محرمًا، أو يترك واجبًا، فيلومه عليه لائم، فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيبطل بالاحتجاج به حقًّا، ويرتكب باطلًا، كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله، فقالوا: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا)، و(لو شاء الرحمن ما عبدناهم) فاحتجوا به مصوبين لما هم عليه، وأنهم لم يندموا على فعله، ولم يعزموا على تركه، ولم يقروا بفساده، فهذا ضد احتجاج من تبين له خطأ نفسه، وندم وعزم كل العزم على أن لا يعود، فإذا لامه لائم بعد ذلك قال: كان ما كان بقدر الله.
ونكتة المسألة أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعًا فالاحتجاج بالقدر باطل. اهـ.

وعلى ذلك، فكل موضع كان اللوم فيه مرفوعًا عن العبد، فإنه يصح فيه الاحتجاج بالقدر.

وكل موضع يلام فيه العبد على ما يفعله، فلا يصح فيه احتجاجه بالقدر، وانظر للفائدة الفتويين التاليتين: 107019، 162641. وإحالاتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني