الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك

السؤال

معلوم أن الله خيرنا بين طريقين: إما طريق النار، فلا يرتضيه عاقل. وإما طريق الجنة؛ فقد حفت بالمكاره، فهي سلعة الله الغالية.
سؤالي هو: لماذا لم يعطنا الله خيارات أخرى؟ لعل بعض الناس لا يريد أو لا يستطيع السير في طريق الجنة الذي تحيط به الأشواك؟
ماذا لو أن شخصا لا يستطيع الصبر على ابتلاءات الدنيا، ويريد فقط الرحيل عنها؟ ماذا لو أنه كره الدنيا وضاقت به، لدرجة أنه يقبل بالفناء ولو تخلى عن الجنة؟ لماذا يجبرنا الله على هذا الطريق الصعب؟
معلوم أن الله خيرنا في تحمل الأمانة. فهل أعلمنا حينها بصعوبتها وبكل المخاطر والأهوال؟
أنا شخص يعاني ولا يفهم الفائدة من ذلك. حادث تسبب بكسر ثلاثي بالساق وبشللها. الشلل تسبب بروماتيزم وارتعاش العضلات. دواء الروماتيزم تسبب بحصى الكلى لم تنزل إلا بعد سنة. كثرة الأمراض تسببت بأمراض نفسية. الأمراض النفسية تسببت في جفاف العين بسبب البكاء والحزن الشديد الذي لم أتمكن من الخروج منه، مع العلم أني في سن 37. ماذا لو كان هذا الألم يتجاوز طاقتي؟ ثم هل يملك كل الناس نفس طاقة التحمل؟ كيف أتحمله، وقد تسبب لي بأمراض نفسية وبمضاعفات لا تحصى؟
لم أترك طبيبا إلا طرقت بابه، ولا دعاء إلا دعوت به. أريد الرحيل وحسب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجواب سؤالك تلخصه آية واحدة في كتاب الله، وهي قوله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.

فالله تعالى لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وعدله، وفي حديث دعاء الكرب الذي أخرجه أحمد في مسنده يقول الداعي: ماض في حكمك، عدل في قضاؤك.

فعليك أن تستشعر هذه المعاني، وتوقن أن الله تعالى حكيم، وأنه لم يقدر ما قدره إلا لحكمة بالغة، وأن عقول العباد قاصرة عن إدراك تلك الحكم ومعرفة تلك الأسرار.

واعلم أن الدنيا كلها نفس من أنفاس الآخرة، فمهما طال العمر فيها، فإنما هي أيام قلائل، فعليك أن تتذرع بالصبر والرضا والتسليم لحكم الله.

وسل الله الفرج، والزم ذكره ودعاءه والابتهال إليه؛ فإن الله يحب إلحاح الملحين في الدعاء، ولا تتسخط أقدار الله؛ فإن هذا لا يفيدك شيئا، فإن من رضي فله الرضا وقدر الله ماض، ومن سخط فله السخط وقدر الله ماض، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ {التغابن:11}. قال علقمة: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.

والله لم يظلم بني آدم حيث حملهم التكاليف الشرعية، فقد حمل الإنسان الأمانة فحملها، واستخرج من ظهر آدم ذريته كالذر وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى.

فالله تعالى منزه عن الظلم سبحانه وبحمده، بل كل أفعاله عدل وحكمة ومصلحة، فنصيحتنا لك هي أن ترضى بقضاء الله، وتوطن نفسك على التسليم لحكم الله، وإياك والتسخط على أقدار الله.

وعليك بالتداوي ما وسعك، امتثالا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والزم الدعاء؛ ففيه الخير الكثير، نسأل الله لك الشفاء والعافية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني