الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أسباب عدم التوفيق في الحياة

السؤال

أنا شخص أعاني من عدم التوفيق في حياتي بشكل مبالغ فيه، أنا شاب كأي شاب، أميل، وأخطئ، وأتوب، وأرجو من الله الثبات على أقوم طريق.
كلما أتقدم إلى وظيفة، ويكاد يكون الأمر منتهيا، ويتم الاتفاق على الراتب، والأوراق المطلوبة، ثم أتصل لأسأل عن ميعاد القدوم للوظيفة بعد الانتهاء من مسوغات التعيين، فلا أجد ردا، وأحيانا كثيرة أجد ما يمنع من التوظيف لديهم، وهكذا بشكل متكرر في التوظيف، أو أيِّ شيء يتعلق بسعة الرزق عن طريق القيام بمشروع. علما بأن لديَّ كل المؤهلات، والصفات المطلوبه للوظيفة المتقدم لها.
وهذا ما أجده في الخطوبة أيضا. أنا شاب وسيم، وسمعة بيتي، وسمعتي حسنة بفضل الله، وأعمل في وظيفة بأجر قليل جدا لحفظ ماء وجهي، ولأستطيع التقدم للخطبة.
تقدمت للخطبة أربع مرات، وتبدأ بالموافقة، ثم لا يتم الأمر، ومرة خطبت لمدة يوم، وتمت قراءة الفاتحة يوم الخميس، ثم أرسلت إلينا الشبكة يوم السبت مباشرة، بدون إبداء أي سبب، سوى أن البنت وجدت نفسها تبكي، ومخنوقة، ولم أكن أعرفها مسبقا، ولم أتكلم معها إلا في الرؤية الشرعية.
أعتذر عن الإطالة، ولكن لا أفهم ماذا يحدث معي، وقال لي أكثر من شخص أنه يوجد شيء ما يعطل لك حياتك، بدون ما أخبرهم، لكنهم يرون سعيي الدؤوب، ومع ذلك لا أصل لأية نتيجة.
أتمنى من سيادتكم التفضل والتكرم بالرد عليَّ في أسرع وقت. وشكرا جزيلا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، ويفرج همّك، ويجعل لك من أمرك يسرا.

ثم اعلم أنّ كل ما يحصل لك فهو بقدر من أقدار الله التي يجريها بحكمته البالغة، ورحمته الواسعة، وأنّ الله قد يصرف عنك شيئا عاجلاً، ويدخر لك خيرًا منه، فهو سبحانه أعلم بمصالح العبد من نفسه، وأرحم به من أبيه وأمه. قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].

قال ابن القيم –رحمه الله-: والعبد لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربه، وحكمته، ولطفه؛ لا يعرف التفاوت بين ما منع منه، وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل، وإن كان دنيئا، وبقلة الرغبة في الآجل، وإن كان عليّا. انتهى.

ومع ذلك فإنه إذا نزلت بالعبد بلية، أو شعر بعدم التوفيق في بعض الأمور، فعليه أن يتهمّ نفسه، ويجدّد التوبة إلى الله، فإنّه كما قيل :لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة. ففي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: ... يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

قال ابن رجب الحنبلي –رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. انتهى.

وقال ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي: ومن عقوبات الذنوب إنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة الا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. انتهى.

فبادر بتجديد التوبة العامة الشاملة من كل الذنوب الباطنة والظاهرة، واستعن بالله على الاجتهاد في الأعمال الصالحة، وأكثر من الاستغفار، وحصّن نفسك بالمحافظة على الأذكار المسنونة والرقى المشروعة من العين ونحوها، المبينة في الفتويين: 2244، 10981.

وأحسن ظنّك بربك، وأكثر من دعائه، فإنّه قريب مجيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني