الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تسقط التكاليف الشرعية بالمرض النفسي؟

السؤال

يوجد لدي مرض انفصام الشخصية، وأيضا مرض تعدد الشخصيات.
أعاني كثيرا من مرض تعدد الشخصيات، فالشخصية الأخرى تسيطر على جسدي، وتتحكم بي بشكل كامل، وتجبرني على فعل المحرمات، وتمنعني من أداء بعض الواجبات الشرعية.
الشخصية الأخرى تتحكم في بشكل كامل، ولا أستطيع منعها ولا ردعها. وأفقد السيطرة على نفسي، وأفقد حرية الاختيار.
هل رفع عني القلم عندما أتحول إلى الشخصية الأخرى؟ وهل تركي للواجبات الشرعية بسبب تعدد الشخصيات سيعوضني الله كأني فعلت تلك الواجبات؟ مع العلم أني أترك الواجبات الدينية بسبب تعدد الشخصيات التي تمنعني عن ذلك، فتمنعني عن ذكر الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأصل التكليف الشرعي يكون باعتبار وجود العقل، فهو مناط التكليف. ثم باعتبار حصول الاستطاعة فهي شرط التكليف.

والحكم على الأمراض النفسية وعلاقتها بالتكليف، يكون بالنظر في مدى تأثيرها في الأمرين جميعا: العقل والاستطاعة. وهذا يختلف من مرض إلى مرض، ومن شخص إلى شخص، ومن حال إلى حال!

ويبقى أن الأصل في المسلم البالغ العاقل، أنه مكلف يجري عليه قلم الحسنات والسيئات إلى أن يقوم به عارض من عوارض الأهلية، ينقل عن هذا الأصل.

وإن صح ما ذكره السائل عن نفسه من: سيطرة حالته على جسده، وتحكمها فيه بشكل كامل، وإجباره على فعل المحرمات، ومنعه من أداء بعض الوجبات، فهذا يصدق عليه فقدان الأهلية ورفع التكليف.

قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: من غلب على عقله بفطرة خلقة، أو حادث علة لم يكن سببا لاجتلابها على نفسه بمعصية، لم يلزمه الطلاق، ولا الصلاة ولا الحدود، وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله. اهـ.

ومع ذلك، فينبغي الاستعانة في هذا الحكم بتقرير الطبيب النفساني المختص، فهو الذي يمكنه تقدير ذلك، بعد اطلاعه على حال المريض ومعرفته بتفاصيلها.

ومن رفع عنه التكليف فترك العبادة بسبب الغلبة على عقله، فله ثواب ما كان يعمل في حال صحته، كما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. رواه البخاري.

وقد نقل ابن حجر الهيتمي في (تحفة المحتاج) عن الإمام الشافعي أن: كلا من المجنون والمريض المغلوب على عقله، مأجور مثاب، مكفر عنه بالمرض.

ثم قال ابن حجر: والحاصل أن من أصيب وصبر، حصل له ثوابان غير التكفير: ثواب لنفس المصيبة، وثواب للصبر عليها، ومنه كتابة مثل ما كان يعمله من الخير، وغير ذلك مما ورد في السنة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني