الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع البنت قطعة الأرض الموهوبة لها من أبيها دون رضاه للإنفاق على نفسها

السؤال

أنا فتاة عندي أخت واحدة فقط، وأبي ميسور الحال جدًّا جدًّا، وكتب لنا منذ سنوات بعضَ أملاكه -من بيوت، وأراضٍ-، ولكنه شحيح اليد جدًّا علينا، وعلى أمّي، ويقول دائمًا: لن تستفيدوا شيئًا من مالي إلا بعد موتي.
أختي متزوجة، وأنا تجاوزت الثلاثين، ولم أتزوج؛ لأني أردت أن أكون بجانب والديّ في كبرهما، فأنا لا أحب أحدًا أكثر من عائلتي، ولا أريد أن يحصل شيء لهما وليس هناك أحد بجانبهما.
كنت أعمل ومرضت، ولا زلت مريضة جدًّا، فاضطررت أن أترك عملي، فخاصمني والدي، وحوّل حياتي إلى جحيم، ورفض تحمّل نفقاتي، أو حتى نفقات علاجي ودوائي، وحاول كثير من المعارف والأقرباء التدخل بالكلمة الطيبة؛ ليبسط يده قليلًا معنا، ولكن لا جدوى، بل من الممكن أن ينهرهم.
أبي لا يخرج الزكاة، ولا يحبّ الصدقات، وينهرني ويؤنبني إذا رآني أعطي فقيرًا، أو أطعم حيوانًا؛ خاصة عندما كنت أعمل، فقد كنت أخصص جزءًا من الراتب لذلك، فكان يستهزئ دائمًا، ويقول لي: هذه إضاعة للمال، وأنت لا تعرفين قيمة المال، وهؤلاء الناس أو الحيوانات بم سينفعونك؟ وهل سيردون إليك المال؟ وفي بعض الأحيان كان يأخذ مني هذه الأموال، ويقول لي: أنا أولى، فأنت ومالك لأبيك، مع العلم أن أبي مليونير. صحيح أنه لم يرث من أهله الكثير، ولكنه كان ميسور الحال.
منذ أن تخرجت لم يعطني مالًا؛ لذلك اضطررت لبيع أشياء تخصني، ولكن هذا لم يدم كثيرًا، وأحسست بالذل والمهانة، وهو دائمًا يقول لي: إنه ليس لي حق عليه، وإني لو كنت مقطوعة الأطراف، لوجب عليَّ أن أظل أعمل؛ حتى أكسب قوتي، وإلا، فانزلي، وتسوّلي من الناس، ولا تطلبي مني أيَّ شيء، حتى أني أشتري طعامي لنفسي من مالي؛ حتى نفد، وتوقفت عن شراء العلاج.
ومع سوء النفسية والضغوط، ازداد مرضي أكثر وأكثر؛ حتى أني لا أقدر على الوقوف عشر دقائق متواصلة.
أمّي أقرضتني مالًا قليلًا، وحاولت أن أقوم بمشروع بهذا المبلغ الزهيد، ولكن الاختيارات كانت محدودة؛ نظرًا لقلة المبلغ، فلم أفلح، وليس لديَّ أيّ مال، وكذلك أمّي، وقد حاول أبي كثيرًا طردي من المنزل لأني لا أعمل، فهل يجوز بيع الأرض التي كتبها لي دون علمه، أو رضاه؟ مع العلم أني استأذنته كثيرًا، ولم يوافق؛ لأشتري بيتًا، وأستطيع أن أتعالج، وأنفق على نفسي وأمّي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دمت محتاجة للنفقة والدواء، فالواجب على أبيك أن ينفق عليك بالمعروف. وراجعي الفتوى: 25339، والفتوى: 420592.

وإذا كان أبوك قد وهبك قطعة الأرض، وحصل القبض؛ فقد ملكتِها، ولك التصرف فيها بالبيع وغيره دون علم أبيك، والإنفاق على نفسك من ثمنها.

وإذا كان المقصود بكتابة الأرض باسمك؛ الوصية لك بها بعد موته؛ فتلك وصية باطلة، فالوصية لا تجوز للوارث.

ويجوز لك إذا قدرتِ على شيء من ماله دون علمه أن تأخذيه لتنفقي على نفسك بالمعروف، جاء في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: وَلِمُسْتَحِقِّهَا أَيْ: النَّفَقَةِ، الْأَخْذُ مِنْ مَالِ مُنْفِقٍ بِلَا إذْنِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْ دَفْعِهَا، كَمَا يَجُوزُ لِزَوْجَتِهِ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا النَّفَقَةَ؛ لِحَدِيثِ هِنْدَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ»، وَقِيسَ عَلَيْهِ سَائِرُ مَنْ تَجِبُ لَهُ. انتهى.

وإذا امتنع أبوك من الإنفاق الواجب، ولم تقدري على شيء من ماله؛ فلك رفع أمره للقضاء ليلزمه بالإنفاق عليك بالمعروف.

لكن على كل حال؛ فإنّ عليك برّ أبيك، ومصاحبته بالمعروف، ولو كان ظالمًا لك، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، قال الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني