الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الوالدين في نوعية اللباس

السؤال

أمّي يغلب عليها الطبع الغربي جدًّا، وهي دقيقة جدًّا في أمرها إياي بما ألبس وما لا ألبس، فهي تعيش في بلد كافر، ولا ترضى أن ألبس الثوب العربي، وأنا أطيعها في ذلك؛ باعتبار أن المسألة خلافية، فمنهم من يرى أن المسلم غير مأمور بالتميز في الظاهر في بلاد الكفر، بخلاف ما لو كان في بلاد الإسلام، فلا أريد إغضابها في هذا، مع ما أجد من مشقة في هذا، لكن الأمر أعظم من هذا، فهي لا تأذن لي أن أختار ما أريد أن ألبسه، حتى لو كان بنطالًا، معللة ذلك بأن هذا البنطال واسع جدًّا، أو أن هذا الحذاء يشبه أحذية الشيوخ الكبار وأنت شاب، أو أنه غير جميل في نظرها، وقد تتوهم أنه يلفت النظر، وغير ذلك، ثم إنها حتى في بلدنا الإسلامي الذي نحن منه -وهو الجزائر- كانت تطلب مني أن لا ألبس الثوب إلا للصلاة، وفي بقية الأوقات تحب أن ألبس البنطلون، وهذه المشكلة تسببت في أضرار نفسية من شدة الأذى الذي أجده في طاعتها فيما ذكرت، وهي لا تعرف ذلك، بل تظن أنها محسنة إليَّ، وأنا لا أشك أنها كذلك، لكنها لا تدري أنها تضرني بهذه الطلبات.
أريد أن أكلمها في الموضوع، لكن كيف أفعل؟ وهل لها حق في منعي مما ذكرت؟ وهل يقاس ما ذكرتُ على ما ذَكر شيخ الإسلام بأنه ليس لأحد الأبوين أن يجبر ابنهما على طعام لا يريده إلى آخر كلامه -رحمه الله-؟ وهل غضبها يضرّني؟ وهل كون ما ألبسه لا تراه جميلًا في نظرها يعد غرضًا صحيحًا في الشريعة؟ وواللهِ إن هذه القضية أهلكتني نفسيًّا من شدة المشقة. أفيدونا -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا حرج على السائل أن يتكلم مع أمّه في هذه المشكلة بأدب، وتواضع، ويبين لها بأسلوب يناسب مقامها ومكانتها، أنه يتضرر بتدخلها في تفاصيل ما يتعلق بحياته الشخصية:

فإن تفهَّمت ذلك وراعَتْه، فالحمد لله، وإن أصرّت على طريقتها، فلا يلزمه الطاعة إلا فيما فيه منفعة لها، وليس من ذلك أن تلزمه بلبس معين، أو أكل معين مع وجود غيره مما يناسب الابن.

وهذا يدخل فيما أشار إليه السائل من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال -كما في مجموع الفتاوى-: ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقًّا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه، كان النكاح كذلك وأولى؛ فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك، ولا يمكن فراقه. اهـ.

ومع ذلك؛ فالأفضل للسائل أن يطيعها في كل ما ليس بمعصية، حتى وإن كان في ذلك شيء من المشقة لا تصل إلى حد الضرر. وراجع في ذلك الفتاوى: 356467، 165713، 257134، 276304.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني