الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أصيبت رِجله فصلّى قاعدًا ثم تبيّن له أنه كان قادرًا على الصلاة قائمًا

السؤال

ذات مرة جرحت قدمي جرحًا عميقًا؛ مما جعلني أصلي قاعدًا؛ لأني تمكنت من الركوع فقط، وفي اليوم التالي لم أتحقق من إمكانيتي أن أصلي صلاة عادية؛ لأني لم أظن أن الجرح سيلتئم بسرعة كبيرة، فلم يخطر على بالي ذلك إلا قبل صلاة العشاء، فجربت السجود؛ وإذ بي أتفاجأ بقدرتي عليه، فهل أعيد صلوات ذلك اليوم؟ مع العلم أني عندما كنت أصلي كذلك، كان هنالك دم يخرج دائمًا عند انتهائي من الصلاة، ومرة ضربت قدمي ضربة خفيفة من غير تعمّد، فخرج منها دم كثير يدل على عدم التئام الجرح، وكان أهلي يدعونني إلى الصلاة قاعدًا؛ لأنهم كانوا يقولون: إن عليَّ أن أرتاح لينغلق الجرح، ونصحوني بعدم المشي إلا للحاجة، وهذا كله يشير إلى أن الصلاة العادية كانت تؤخّر التئامه، فهل يصح التفكير بهذا الشكل، خاصة أن السبب الوحيد الذي منعني من الصلاة قائمًا هو جهلي بقدرتي على ذلك، أما تأخّر الشفاء، فهو عذر أدركته الآن، أي أنه لم يكن في نيتي عند عدم الصلاة واقفًا؟ وأنا لا أريد أن أتعذّر؛ خيفة أن يكون ذلك تكاسلًا عن الصلاة، وهل أعيد الصلاة أم لا؟ أرجوكم أفتوني، ولا تحولوني إلى فتوى.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن كنت تسأل عن حكم صلاتك قاعدًا مع عدم تحققك من العجز عن القيام، فصليت، ثم بان لك أنك كنت قادرًا على القيام، فالأحوط والأبرأ للذمة أن تعيد تلك الصلوات، إذا تبين لك أنك أخطأت في ظنك، وأنك لست معذورًا في الصلاة قاعدًا؛ فقد ذكر الفقهاء مسائل ظنّ فيها المصلي عدم قدرته على الركن أو الشرط، ثم تبين له أنه قادر، ذكروا أنه ينبغي له الإعادة.

ومن ذلك: أن من صلى صلاة الخوف في أول الوقت غير مستقبل القبلة ظنًّا منه أنه لن يأمن، ثم أمن في الوقت، وبان خطأ ظنه، ذكروا أنه ينبغي له الإعادة، جاء في حاشية الجمل على شرح المنهج: لَوْ صَلَّى أَوَّلَهُ لِانْقِطَاعِ رَجَائِهِ ظَنًّا، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَمِنَ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ ظَنًّا فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي وُجُوبُ الْإِعَادَةِ. اهــ.

وفي المغني لابن قدامة: ومَنْ كان خَوْفُهُ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُ السَّبَبِ، مِثْل مَنْ رَأَى سَوَادًا باللَّيْلِ ظَنَّهُ عَدُوًّا، فَتَبَيَّنَ له أنَّه ليس بِعَدُوٍّ، أو رَأَى كَلْبًا فَظَنَّهُ أَسَدًا أو نَمِرًا، فَتَيَمَّمَ وصَلَّى، ثم بانَ خِلَافُه، فهل يَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ؟ على وَجْهَيْنِ: أحدهما: لا يَلْزَمُهُ الإِعادُة؛ لأنَّه أَتَى بما أُمِرَ به، فَخَرَجَ عن عُهْدَتِه، والثاني: يَلْزَمُه الإِعادةُ؛ لأنَّه تَيَمَّمَ مِنْ غيرِ سَبَبٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فأَشْبَهَ مَنْ نَسِيَ الماءَ في رَحْلِه، وتَيَمَّمَ. اهــ.

ولكن نحن فهمنا من سؤالك أنك -وإن ظهر لك أنك كنت قادرًا على القيام- إلا أن صلاتك قائمًا ستكون سببًا في تأخر البُرء، فإن كان هذا هو الواقع، فإنه يترجّح الوجه الأول في عدم الإعادة؛ لأن لك سببًا في أداء الصلاة قاعدًا -وهو تأخّر البُرء-، ولا يضرّ كونك أخطأت في تعيين هذا السبب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني