الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل من الممكن أن تفصلوا لي مسألة أن الشخص لا يجوز له أن ينتفع بالطعام الذي تصدق به، أو المال، أو أي نوع من الصدقة؟ وهل هذا يخص فقط الغرباء، أم أيضا الأقارب.
مثلا: أتصدق أحيانا على أختي وأخي وأقاربي، أو أصدقائي بالطعام، أو ببعض المال. هل يجوز في الأخير أن أشاركهم بالانتفاع؟
لم أفهم ضابط هذه المسألة؛ لأني تقريبا كل أسبوع أتصدق على أهلي. وعندما ينتفعون بالمال بشرائهم مثلا لطعام، أذهب وآكل معهم.
ما حكم فعلي هذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل في منع المتصدق من الانتفاع بصدقته، هو حديث: لاَ تَبْتَعْهُ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ. متفق عليه. فإذا تصدق المتصدق على أحد بطعام أو مال، ثم أكل منه، فإن هذا في حقيقته رجوع عن بعض ذلك الطعام أو المال، وقد كره الفقهاء العودة في شيء من الصدقة.

قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: الْمُتَصَدِّقَ يُكْرَهُ له أَنْ يَتَمَلَّكَ صَدَقَتَهُ مِمَّنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً. وقد شَبَّهَهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم بِالْكَلْبِ يَرْجِعُ في قَيْئِهِ. اهــ.
وجاء في الشرح الكبير للدردير المالكي: وَكُرِهَ تَمَلُّكُ صَدَقَةٍ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا. وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ. وَقَالَ الْبَاجِيَّ وَجَمَاعَةٌ بِالتَّحْرِيمِ، وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ؛ لِتَشْبِيهِهِ بِأَقْبَحِ شَيْءٍ وَهُوَ الْكَلْبُ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ....

وَقَوْلُهُ: تَمَلُّكُ صَدَقَتِهِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً كَالزَّكَاةِ وَ الْمَنْذُورَةِ، أَوْ كَانَتْ مَنْدُوبَةً اهــ.
كما ذكروا أن الرجوع يشمل تملكها أو ركوبها إذا كانت الصدقة مما يُركب، أو الأكل أو الشرب منها، واستثنوا من الكراهة بعض الصور.

قال ابن نجيم الحنفي في «البحر الرائق شرح كنز الدقائق »: وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ.. اهــ.
وفي «الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني»: وَالْإِنْسَانُ لَا يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَلَا كَفَّارَتِهِ. اهـ.

وفي «منح الجليل شرح مختصر خليل»: فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا، وَلَا يَرْكَبُهَا إنْ كَانَتْ دَابَّةً، وَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا مِنْ ثَمَنِهَا، ....

وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ غَنَمٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ، وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا، وَيَكْتَسِيَ مِنْ صُوفِهَا إذَا رَضِيَ الْوَلَدُ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ، وَهَذَا فِي الْوَلَدِ الرَّشِيدِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَفْعَلُ. اهــ مختصرا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني