الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم دعاء الشخص أن يموت هو وأسرته في وقت واحد

السؤال

هل الدعاء يغير القدر؟ فمثلا أنا دائما أدعو الله أن أموت أنا وأسرتي في نفس الوقت. فهل هذا جائز؟
وأيضا هل يجوز الدعاء بحدوث معجزة، أو تيسير أمر يكاد يكون مستحيلا؟
أنا أعلم أن الله على كل شيء قدير، لكن أرجو الإفادة.
جعله الله في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الدعاء من القدر، وهو من جملة الأسباب التي تؤثر بإذن الله تعالى في حصول المحبوب، ودفع المكروه، وانظري الفتوى: 352378.

وأما دعاؤك بأن تموتوا جميعا في وقت واحد؛ فالظاهر أنه غير مشروع؛ لأن كل إنسان له أجله الذي حدده الله تعالى، فلا يتغير، ولا يتبدل، كما قال تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {فاطر:11}.

قال ابن كثير في تفسيره: وروي من طريق العوفي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير. يقول: ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه، وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له. انتهى.

وقال تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ {الواقعة:60}. قال ابن جرير في تفسيره: يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت، فعجلناه لبعض، وأخرناه عن بعض إلى أجل مسمى. انتهى

وجاء في صحيح مسلم عن أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. قال فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئا قبل حله، أو يؤخر شيئا عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيرا وأفضل.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة، لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل، فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك. انتهى

وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية تعليقا على الحديث: فعلم أن الاعمار مقدرة لم يشرع الدعاء بتغيرها بخلاف النجاة من عذاب الآخرة، فان الدعاء مشروع له نافع فيه. انتهى

واعلمي أن مثل هذا الدعاء قد ينشأ عن ضعف في التسليم والانقياد لحكم الله تعالى، وعدم توطين النفس على تحمل ما تأتي به أقداره سبحانه، والذي يليق ويجمل بالمسلم هو أن يكون مستعدا لتلقي أقدار الله تعالى بالرضا والتسليم، عالما أن الخير فيما يقدره ويقضيه سبحانه، مستحضرا قول الله جل وعلا: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ {التغابن:11}. قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. ذكره ابن كثير في تفسيره وقال: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما. اهـ

وأما طلب المستحيل عادة فهو من الاعتداء في الدعاء المنهي عنه بقوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {الأعراف:55}. وانظري الفتوى: 426817.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني