الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شروط جواز قبول من يعمل في شركة تصميم إجراء تصميم لعميل خارج الشركة

السؤال

قمت مع صديق لي بتأسيس شركة تصميم، وأنا الآن أعمل مصمماً في هذه الشركة، بالإضافة إلى كوني شريكاً فيها، وخلال أحد الأنشطة التقى بي عميلان: الأول عميل (حالي)، والثاني عميل (محتمل)، لم يسبق لنا العمل معه من قبل.
ثم قاما بسؤالي: هل يمكن إنجاز تصاميم لهما خارج إطار الشركة التي أعمل بها؟ أي: أن أجري صفقة مع العميلين دون علم شريكي، حيث إنهما لا يريدان العمل معه، لأسباب لا أعلمها! بحيث يكون العمل بعد ساعات الدوام، وباستخدام أدواتي الخاصة، ولم أجبهما بعد. فهل عملي معهما يعد حراماً؟ وهل هذا الأمر خيانة لشريكي؟ خاصة أنهما تعرَّفا عليَّ من خلال الشركة التي أسستها مع صديقي. فلو لم تكن هذه الشركة، لربما لم نلتق. وهل ينطبق عليَّ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطَّلع عليه الناس؟ ولا أحب أن يطّلع شريكي على هذا الأمر.
أحسن الله إليكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كان هذا العمل خارج دوام الشركة، وبأدواتك الخاصة، ولم تكن أنت من طلبت من العميلين التعامل معك حين تواجدهما بالشركة، بل هما اللذان طلبا ذلك، وامتنعا عن العمل مع شركتكما، فلا حرج عليك قبول ذلك العمل، وتكون الأجرة مختصة بك، بشرط عدم استغلال الشركة أو اسمها في هذا العمل، وأن لا يكون ذلك مخلاً بعقد الشراكة.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: المقرر عند المالكية والحنابلة، أن الشريك يختص بأجرة عمله خارج الشركة ولو كان من جنس عملها -كما لو أخذ مالاً يضارب به في نفس نوع تجارة الشركة (المنسوجات مثلًا) غاية ما هناك، أنه إذا شغل بذلك عن العمل في الشركة، فلا بد من إذن شريكه- حتى يكون هذا الإذن بمثابة التبرع له بعمله ذاك، وإلا كان لهذا الشريك أن يرجع عليه بأجرة مثل ما عمل عنه. اهـ.

وأما ما سألت عنه من انطباق حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليك، فحيث كان العمل المذكور بحسب ما فصلناه أعلاه، فلا يكون عليك إثم، ولا ينطبق عليك الحديث -فيما يظهر- وليس كل ما كره المرء أن يطلع عليه الناس يكون إثماً، بل كثير من الناس يكره أن يطلع الناس على أمور هي مباحة، بل قد تكون مشروعة، إما واجبة، أو مستحبة، وإنما ينطبق هذا الحديث على من اشتبه عليه الأمر، فلا يدري أهو إثم أم لا؟

وقد بيّن هذه المسألة بيانًا شافيًا الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم حيث قال: وقوله في حديث النوَّاس: «الإثم ما حاك في الصدر، وكرِهتَ أنْ يطَّلع عليه الناس» إشارةٌ إلى أنَّ الإثم ما أثَّر في الصدر حرجاً، وضيقاً، وقلقاً، واضطراباً، فلم ينشرح له الصَّدرُ، ومع هذا، فهو عندَ النَّاسِ مستنكرٌ، بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عندَ الاشتباه، وهو ما استنكره النَّاس على فاعلِه وغير فاعله. ومن هذا المعنى قولُ ابن مسعود: ما رآه المؤمنون حسناً، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحاً، فهو عند الله قبيح.

وقوله في حديث وابصة وأبي ثعلبة: «وإنْ أفتاك المفتون» يعني: أنَّ ما حاك في صدر الإنسان، فهو إثمٌ، وإنْ أفتاه غيرُه بأنَّه ليس بإثمٍ، فهذه مرتبةٌ ثانيةٌ، وهو أنْ يكونَ الشيءُ مستنكراً عندَ فاعله دونَ غيره، وقد جعله أيضاً إثماً، وهذا إنَّما يكون إذا كان صاحبُه ممَّن شرح صدره بالإيمان، وكان المفتي يُفتي له بمجرَّد ظن أو ميلٍ إلى هوى من غير دليلٍ شرعيٍّ، فأمَّا ما كان مع المفتي به دليلٌ شرعيٌّ، فالواجب على المستفتي الرُّجوعُ إليه، وإنْ لم ينشرح له صدرُه، وهذا كالرخص الشرعية، مثل الفطر في السفر، والمرض، وقصر الصَّلاة في السَّفر، ونحو ذلك، ممَّا لا ينشرحُ به صدور كثيرٍ مِنَ الجُهَّال، فهذا لا عبرةَ به.

وقد كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أحياناً يأمرُ أصحابَه بما لا تنشرحُ به صدورُ بعضهم، فيمتنعون من فعله، فيغضب منْ ذلك، كما أمرهم بفسخ الحجِّ إلى العمرة، فكرهه من كرهه منهم، وكما أمرهم بنحرِ هديِهم، والتَّحلُّل من عُمرة الحُديبية، فكرهوه، وكرهوا مقاضاتَه لقريش على أنْ يَرجِعَ من عامِه، وعلى أنَّ من أتاه منهم يردُّه إليهم.

وفي الجملة، فما ورد النصُّ به، فليس للمؤمن إلا طاعةُ الله ورسوله، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.

وينبغي أنْ يتلقى ذلك بانشراح الصَّدر والرِّضا، فإنَّ ما شرعه الله ورسولُه يجبُ الإيمانُ والرضا به، والتَّسليمُ له، كما قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.

وأما ما ليس فيه نصٌّ من الله ورسوله، ولا عمَّن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئنِّ قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيءٌ، وحكَّ في صدره لشبهة موجودة، ولم يجد مَنْ يُفتي فيه بالرُّخصة إلاَّ من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يُوثَقُ بعلمه وبدينه، بل هو معروفٌ باتباع الهوى، فهنا يرجعُ المؤمن إلى ما حكَّ في صدره، وإنْ أفتاه هؤلاء المفتون. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني