الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التحريم إذا ربط بعلة هل ينتفي بانتفائها

السؤال

هل إذا ذكرت المعصية معللة - أي بأسباب تحريمها ثم انتفت هذه العلل بالنسبة لشخص معين - هل يجوز له فعلها ؟؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن التحريم لأمر إذا ربط في الشرع بعلة قطعية فإنه ينتفي التحريم عند تحقق انتفاء العلة التي ربطها ومثال ذلك إطالة الثوب للخيلاء فهو حرام تعمده فإن انسدل الثوب لغير خيلاء أو أطالت المرأة ثوبها للستر فإنه لا يحرم ، ويدل لهذا ما في حديث البخاري : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، قال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال صلى الله عليه وسلم: لست ممن يصنعه خيلاء . وفي الحديث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا ، فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه . رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني . وقال الترمذي : وفي هذا الحديث رخصة للنساء في جر الإزار لأنه يكون أستر لهن .

ومن أمثلة هذا النوع تحريم تناجي اثنين بجنب ثالث خشية إحزانه، فإذا تحقق نفي إحزانه لم يحرم تناجيهما بحضرته، مثل ما إذا كان نائما وتناجيا سرا لئلا يوقظاه ومثل له ابن عثيمين في شرح الأصول من علم الأصول بمن تناجيا عند رجل مشغول بالاتصال بالهاتف أو غير ذلك ، ودليل تحريم التناجي من أجل الإحزان ما في حديث مسلم : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه . وقال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {المجادلة: 9 ـ 10 } وعلى مثل هذا يحمل قول أهل العلم: الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، وهو مقيد عندهم بما إذا كانت العلة قطعية بخلاف ما إذا كانت ظنية أو مستنبطة ، وأما إذا ثبت التحريم لأمر ما وجاء في الشرع بيان علة له غير مقيد له فإنه لا ينتفي الحكم إذا تصورنا انتفاء العلة فيبقى ما ورد به النص في محله وتكون العلة مؤثرة عند القياس وإلحاق النظير في الحكم، فالخمر مثلا حرمت بنص الشارع وعلل تحريمها بالاسكار وإيقاع العدواة والبغضاء بين الناس فلو تصورنا أن أحد المدمنين عليها لم يعد يسكر عند شربها، وكان يشربها منفردا لا يوجد معه من يتوهم منه أن تقع بينه معه عداوة فإن ذلك لا يرفع تحريمها ، وكذلك الربا حرم لما فيه من الغبن لأحد الأطراف فلو أن المغبون رضى بالربا لم يجز الربا ، ولو أن المقامر رضي بالغرم والخسران لم يجز القمار؛ لأن مراعاة نهي الشارع مطلوبة كما تطلب مراعاة مصلحة العباد التي شرع من أجلها الحكم. وراجع الفتاوى التالية أرقامها في الموضوع : 14065 ، 3900 ، 61264 ، 3810 .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني