الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تطع أكثر من في الأرض لما تحقق اختصاصه تعالى بالحكمية لاستقلاله بما يوجبها من إنزال الكتاب الكامل الفاصل بين الحق والباطل ، وتمام صدق كلامه ، وكمال عدالة أحكامه ، وامتناع وجود من يبدل شيئا منها ، واستبداده تعالى بالإحاطة التامة بجميع المسموعات والمعلومات ، عقب ذلك ببيان أن الكفرة متصفون بنقائض تلك الكمالات من النقائض التي هي الضلال والإضلال ، واتباع الظنون الفاسدة الناشئ من الجهل ، والكذب على الله سبحانه وتعالى ، إبانة لكمال مباينة حالهم لما يرومونه ، وتحذيرا عن الركون إليهم والعمل بآرائهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بمن في الأرض : الناس ، وبأكثرهم : الكفار . وقيل : أهل مكة والأرض أرضها ; أي : إن تطعهم بأن جعلت منهم حكما .

                                                                                                                                                                                                                                      يضلوك عن سبيل الله عن الطريق الموصل إليه ، أو عن الشريعة التي شرعها لعباده .

                                                                                                                                                                                                                                      إن يتبعون إلا الظن وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق ، فهم على آثارهم يهتدون ، أو جهالاتهم وآراؤهم الباطلة ، على أن المراد بالظن ما يقابل العلم .

                                                                                                                                                                                                                                      والجملة استئناف مبني على سؤال نشأ من الشرطية ، كأنه قيل : كيف يضلون ؟ فقيل : لا يتبعون في أمور دينهم إلا الظن ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ، فيضلون ضلالا مبينا ، ولا ريب في أن الضال المتصدي للإرشاد إنما يرشد غيره إلى مسلك نفسه ، فهم ضالون مضلون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : وإن هم إلا يخرصون عطف على ما قبله داخل في حكمه ; أي : يكذبون على الله سبحانه فيما ينسبون إليه تعالى ، كاتخاذ الولد ، وجعل [ ص: 179 ] عبادة الأوثان ذريعة إليه تعالى ، وتحليل الميتة ، وتحريم البحائر ، ونظائرها ، أو يقدرون أنهم على شيء وأنى لهم ذلك ، ودونه مناط العيوق وحقيقته ما يقال عن ظن وتخمين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية